معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{قَالَ يَٰقَوۡمِ أَرَءَيۡتُمۡ إِن كُنتُ عَلَىٰ بَيِّنَةٖ مِّن رَّبِّي وَءَاتَىٰنِي مِنۡهُ رَحۡمَةٗ فَمَن يَنصُرُنِي مِنَ ٱللَّهِ إِنۡ عَصَيۡتُهُۥۖ فَمَا تَزِيدُونَنِي غَيۡرَ تَخۡسِيرٖ} (63)

قوله تعالى : { قال يا قوم أرأيتم إن كنت على بينة من ربي وآتاني منه رحمةً } ، نبوة وحكمة ، { فمن ينصرني من الله } ، أي : من يمنعني من عذاب الله ، { إن عصيته فما تزيدونني غير تخسير } ، قال ابن عباس : معناه غير بصارة في خسارتكم . قال الحسين بن الفضل : لم يكن صالح عليه السلام في خسارة حتى قال : فما تزيدونني غير تخسير ، وإنما المعنى : ما تزيدونني بما تقولون إلا نسبتي إياكم إلى الخسارة . والتفسيق والتفجير في اللغة هو : النسبة إلى الفسق والفجور ، وكذلك التخسير هو : النسبة إلى الخسران .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{قَالَ يَٰقَوۡمِ أَرَءَيۡتُمۡ إِن كُنتُ عَلَىٰ بَيِّنَةٖ مِّن رَّبِّي وَءَاتَىٰنِي مِنۡهُ رَحۡمَةٗ فَمَن يَنصُرُنِي مِنَ ٱللَّهِ إِنۡ عَصَيۡتُهُۥۖ فَمَا تَزِيدُونَنِي غَيۡرَ تَخۡسِيرٖ} (63)

ولهذا بين كذبهم في قوله : { قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي } أي : برهان ويقين مني { وَآتَانِي مِنْهُ رَحْمَةً } أي : منَّ علي برسالته ووحيه ، أي : أفأتابعكم على ما أنتم عليه ، وما تدعونني إليه ؟ .

{ فَمَنْ يَنْصُرُنِي مِنَ اللَّهِ إِنْ عَصَيْتُهُ فَمَا تَزِيدُونَنِي غَيْرَ تَخْسِيرٍ } أي : غير خسار وتباب ، وضرر .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{قَالَ يَٰقَوۡمِ أَرَءَيۡتُمۡ إِن كُنتُ عَلَىٰ بَيِّنَةٖ مِّن رَّبِّي وَءَاتَىٰنِي مِنۡهُ رَحۡمَةٗ فَمَن يَنصُرُنِي مِنَ ٱللَّهِ إِنۡ عَصَيۡتُهُۥۖ فَمَا تَزِيدُونَنِي غَيۡرَ تَخۡسِيرٖ} (63)

{ قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي } فيما أرسلني به إليكم على يقين وبرهان [ من الله ]{[14715]} ، { وَآتَانِي مِنْهُ رَحْمَةً فَمَنْ يَنْصُرُنِي مِنَ اللَّهِ إِنْ عَصَيْتُهُ } وتركت دعوتكم إلى الحق وعبادة الله وحده ، فلو تركته{[14716]} لما نفعتموني ولما زدتموني { غَيْرَ تَخْسِيرٍ } أي : خسارة .


[14715]:- زيادة من ت ، أ.
[14716]:- في ت ، أ : "فلو تركت ذلك".
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{قَالَ يَٰقَوۡمِ أَرَءَيۡتُمۡ إِن كُنتُ عَلَىٰ بَيِّنَةٖ مِّن رَّبِّي وَءَاتَىٰنِي مِنۡهُ رَحۡمَةٗ فَمَن يَنصُرُنِي مِنَ ٱللَّهِ إِنۡ عَصَيۡتُهُۥۖ فَمَا تَزِيدُونَنِي غَيۡرَ تَخۡسِيرٖ} (63)

جواب عن كلامهم فلذلك لم تعطف جملة { قال } وهو الشّأن في حكاية المحاورات كما تقدّم غير مرة .

وابتداء الجواب بالنّداء لقصد التّنبيه إلى ما سيقوله اهتماماً بشأنه .

وخاطبهم بوصف القوميّة له للغرض الذي تقدّم في قصة نوح .

والكلام في قوله : { أرأيتم إن كنت على بيّنة من ربّي وآتاني منه رحمة } كالكلام على نظيرها في قصة نوح .

وإنّما يتّجه هنا أن يسأل عن موجب تقديم { منه } على { رحمة } هنا ، وتأخير { من عنده } [ هود : 28 ] عن { رحمة } [ هود : 28 ] في قصة نوح السابقة .

فالجواب لأنّ ذلك مع ما فيه من التّفنن بعدم التزام طريقة واحدة في إعادة الكلام المتماثل ، هو أيضاً أسعد بالبيان في وضوح الدّلالة ودفع اللبس . فلمّا كان مجرور ( من ) الابتدائية ظرفاً وهو ( عند ) كان صريحاً في وصف الرّحمة بصفة تدلّ على الاعتناء الربّانيّ بها وبمَن أوتيَهَا . ولمّا كان المجرور هنا ضمير الجلالة كان الأحسن أن يقع عقب فعل { آتاني } ليكون تقييدُ الإيتاء بأنّه من الله مشير إلى إيتاء خاص ذي عناية بالمؤتى إذ لولا ذلك لكان كونه من الله تحصيلاً لما أفيد من إسناد الإيتاء إليه ، فتعيّن أن يكون المراد إيتاءً خاصاً ، ولو أوقع { منه } عقب { رحمة } لتوهّم السامع أنّ ذلك عوض عن الإضافة ، أي عن أن يقال : وآتاني رحمته ، كقوله : { ولنجعله آيةً للنّاس ورحمةً منا } [ مريم : 21 ] أي ورحمتنا لهم ، أي لنعظَهم ونرحَمَهم .

وجملة { فمن ينصرني من الله } جواب الشرط وهو { إن كنت على بيّنة } .

والمعنى إلزام وجدل ، أي إن كنتم تنكرون نبوءتي وتوبّخونني على دعوتكم فأنا مؤمن بأنّي على بيّنة من ربّي ، أفترون أنّي أعدل عن يقيني إلى شكّكم ، وكيف تتوقّعون منّي ذلك وأنتم تعلمون أنّ يقيني بذلك يجعلني خائفاً من عذاب الله إن عصيته ولا أحد ينصرني .

والكلام على قوله : { مَنْ ينصرني من الله إن عصيته } كالكلام على قوله : { من ينصرني من الله إن طردتهم } [ هود : 30 ] في قصة نوح .

وفُرع على الاستفهام الإنكاري جملة : { فما تزيدونني غيرَ تخسير } أي إذ كان ذلك فما دعاؤكم إيّاي إلا سعي في خسراني .

والمراد بالزيادة حدوث حال لم يكن موجوداً لأنّ ذلك زيادة في أحوال الإنسان ، أي فما يحدث لي إن اتّبعتُكم وعصيتُ الله إلاّ الخسرانُ ، كقوله تعالى حكاية عن نوح عليه السّلام : { فلم يزدهم دعائي إلاّ فِرارا } [ نوح : 6 ] ، أي كنت أدعوهم وهم يسمعون فلمّا كرّرت دعوتهم زادوا على ما كانوا عليه ففرُّوا ، وليس المعنى أنّهم كانوا يفرّون فزادوا في الفرار لأنّه لو كان كذلك لقيل هنالك : فلم يزدهم دعائي إلاّ من فرار ، ولقيل هنا : فما تزيدونني إلاّ من تخسير .

والتّخسير ، مصدر خسر ، إذا جعله خاسراً .