اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{قَالَ يَٰقَوۡمِ أَرَءَيۡتُمۡ إِن كُنتُ عَلَىٰ بَيِّنَةٖ مِّن رَّبِّي وَءَاتَىٰنِي مِنۡهُ رَحۡمَةٗ فَمَن يَنصُرُنِي مِنَ ٱللَّهِ إِنۡ عَصَيۡتُهُۥۖ فَمَا تَزِيدُونَنِي غَيۡرَ تَخۡسِيرٖ} (63)

قوله : { أَرَأَيْتُمْ إِن كُنتُ على بَيِّنَةً } تقدَّم نظيره [ يونس : 50 ] ، والمفعول الثَّاني هنا محذوف تقديره : أأعْصيه ويدل عليه " إنْ عَصَيْتُه " . وقال ابنُ عطيَّة : هي مِنْ رؤيةِ القَلْبِ ، والشَّرطُ الذي بعده وجوابه يَسُدُّ مسدَّ مفعولين ل " أرَأيْتُم " .

قال أبُو حيَّان{[18852]} : " والذي تقرَّر أنَّ " أرَأيْتَ " ضُمِّن معنى " أخْبِرْنِي " ، وعلى تقدير أن لا يُضَمَّن ، فجملةُ الشَّرط والجواب لا تسدُّ مسدَّ مفعولي " عَلِمْتُ " وأخواتها " .

قوله : { إِن كُنتُ على بَيِّنَةً مِّن رَّبِّي } ورد بحرف الشَّك ، وكان على يقين تام في أمره إلاَّ أنَّ خطاب المخالف على هذا الوجه أقرب إلى القبُولِ ؛ فكأنه قال : قدِّرُوا أنِّي على بيِّنةٍ من ربِّي وأنِّي نبيٌّ على الحقيقةِ ، وانظُرُوا إن تابعتكم ، وعصيتُ أمر ربِّي ، فمن يمنعني من عذابِ الله فما تزيدُونَنِي على هذا التقدير غير تَخْسِير .

قوله : " غَيْرَ تَخْسِير " الظاهرُ أنَّ " غَيْرَ " مفعولٌ ثانٍ ل " تَزِيدُونَنِي " .

قال أبُو البقاءِ{[18853]} : " الأقْوَى هنا أن تكُون " غير " استثناءً في المعنى ، وهو مفعولٌ ثانٍ ل " تَزِيدُونَنِي " ، أي : فمَا تَزِيدُونَنِي إلاَّ تَخْسِيراً .

ويجوز أن تكون " غير " صفةً لمفعولٍ محذوفٍ ، أي شيئاً غير تخسير ، وهو جيد في المعنى .

ومعنى التَّفْعِيل هنا النسبةُ ، والمعنى : غير أن أخسركُم ، أي : أنسبكم إلى التَّخْسير ، قال الزمخشريُّ .

قال الحسنُ بن الفضلِ : لم يكنْ صالح في خسارةٍ حتى قال : { فَمَا تَزِيدُونَنِي غَيْرَ تَخْسِيرٍ } وإنَّما المعنى : فما تَزِيدُونَنِي بما تقُولُون إلا نسبتي إيَّاكم إلى الخسارةِ{[18854]} .

والتفسيقُ والتَّفْجِيرُ في اللغة : النسبة إلى الفِسْقِ والفُجُور ، فكذلك التَّخْسيرُ هو النسبة إلى الخُسرانِ .

وقيل : هو على حذف مضافٍ ، أي : غير بضارِّه تخسيركم ، قالهُ ابن عبَّاسٍ{[18855]} .


[18852]:ينظر: البحر المحيط 5/240.
[18853]:ينظر: الإملاء 2/41.
[18854]:ذكره البغوي في "تفسيره" (2/391).
[18855]:انظر المصدر السابق.