قوله تعالى : { وأنذر به } خوف به ، أي : بالقرآن .
قوله تعالى : { الذين يخافون أن يحشروا } ، يجمعوا ويبعثوا .
قوله تعالى : { إلى ربهم } ، وقيل : يخافون : أي يعملون ، لأن خوفهم إنما كان من علمهم .
قوله تعالى : { ليس لهم من دونه } ، من دون الله .
قوله تعالى : { ولي } ، قريب ينفعهم .
قوله تعالى : { ولا شفيع } يشفع لهم .
قوله تعالى : { لعلهم يتقون } ، فينتهون عما نهوا عنه ، وإنما نفى الشفاعة لغيره مع أن الأنبياء والأولياء يشفعون لأنهم لا يشفعون إلا بإذنه .
{ 51 - 55 } { وَأَنْذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْ يُحْشَرُوا إِلَى رَبِّهِمْ لَيْسَ لَهُمْ مِنْ دُونِهِ وَلِيٌّ وَلَا شَفِيعٌ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ * وَلَا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ * وَكَذَلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لِيَقُولُوا أَهَؤُلَاءِ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنَا أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ * وَإِذَا جَاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِنَا فَقُلْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءًا بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ * وَكَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ }
هذا القرآن نذارة للخلق كلهم ، ولكن إنما ينتفع به { الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْ يُحْشَرُوا إِلَى رَبِّهِمْ } فهم متيقنون للانتقال ، من هذه الدار ، إلى دار القرار ، فلذلك يستصحبون ما ينفعهم ويدَعُون ما يضرهم . { لَيْسَ لَهُمْ مِنْ دُونِهِ } أي : لا من دون الله { وَلِيٌّ وَلَا شَفِيعٌ } أي : من يتولى أمرهم فيحصّل لهم المطلوب ، ويدفع عنهم المحذور ، ولا من يشفع لهم ، لأن الخلق كلهم ، ليس لهم من الأمر شيء . { لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ } الله ، بامتثال أوامره ، واجتناب نواهيه ، فإن الإنذار موجب لذلك ، وسبب من أسبابه .
وقوله : { وَأَنْذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْ يُحْشَرُوا إِلَى رَبِّهِمْ لَيْسَ لَهُمْ مِنْ دُونِهِ وَلِيٌّ وَلا شَفِيعٌ } أي : وأنذر بهذا القرآن يا محمد { الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ } [ المؤمنون : 57 ] والذين { وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الْحِسَابِ } [ الرعد : 21 ] .
{ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْ يُحْشَرُوا إِلَى رَبِّهِمْ } أي : يوم القيامة . { لَيْسَ لَهُمْ } أي : يومئذ { مِنْ دُونِهِ وَلِيٌّ وَلا شَفِيعٌ } أي : لا قريب لهم ولا شفيع فيهم من عذابه إن أراده بهم ، { لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ } أي : أنذر هذا اليوم الذي لا حاكم فيه إلا الله ، عَزَّ وجل { لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ } فيعملون في هذه الدار عملا ينجيهم الله به يوم القيامة من عذابه ، ويضاعف لهم به الجزيل من ثوابه .
و { أنذر } عطف على { قل } ، والنبي عليه السلام مأمور بإنذار جميع الخلائق ، وإنما وقع التخصيص هنا بحسب المعنى الذي قصد ، وذلك أن فيما تقدم من الآيات نوعاً من اليائس في الأغلب عن هؤلاء الكفرة الذين قد قال فيهم أيضاً { أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون }{[4924]} فكأنه قيل له هنا : قل لهؤلاء الكفرة المعرضين كذا ، ودعهم ورأيهم لأنفسهم وأنذر بالقرآن هؤلاء الآخرين الذين هم مظنة الإيمان وأهل للانتفاع ، ولم يرد أنه لا ينذر سواهم ، بل الإنذار العام ثابت مستقر{[4925]} ، والضمير في { به } عائد على { ما يوحى } «ويخافون » على بابها في الخوف أي الذين يخافون ما تحققوه من أن يحشروا ويستعدون لذلك ، ورب متحقق لشيء مخوف وهو لقلة النظر والحزم لا يخافه ولا يستعد له .
قال القاضي ابو محمد : وقال الطبري : وقيل { يخافون } هنا بمعنى يعلمون ، وهذا غير لازم ، وقوله { الذين يخافون أن يحشروا إلى ربهم } يعم بنفس اللفظ كل مؤمن بالبعث من مسلم ويهودي ونصراني ، وقوله { ليس لهم من دونه ولي ولا شفيع } يحتمل معنيين فإن جعلناه داخلاً في الخوف في موضع نصب على الحال أي يخافون أن يحشروا في حال من لا ولي له ولا شفيع ، فهي مختصة بالمؤمنين المسلمين ولأن اليهود والنصارى يزعمون أن لهم شفعاء وأنهم أبناء الله ونحو هذا من الأباطيل ، وإن جعلنا قوله : { ليس لهم من دونه ولي ولا شفيع } إخباراً من الله تعالى عن صفة الحال يؤمئذ فهي عامة للمسلمين وأهل الكتاب و { لعلهم يتقون } ترجٍّ على حسب ما يرى البشر ويعطيه نظرهم .
الأظهر أنَّه عطف على قوله : { قل هل يستوي الأعمى والبصير } [ الأنعام : 50 ] لأنّ ذلك مقدّمة لذكر مَن مثّلت حالهم بحال البصير وهم المؤمنون .
وضمير { به } عائد إلى { ما يوحى إليّ } [ الأنعام : 50 ] وهو القرآن وما يُوحى به إلى الرسول صلى الله عليه وسلم غير مراد به الإعجاز .
و { والذين يخافون أن يحشروا إلى ربهم } هم المؤمنون الممثّلون بحال البصير . وعُرّفوا بالموصول لما تدلّ عليه الصلة من المدح ، ومن التعليل بتوجيه إنذاره إليهم دون غيرهم ، لأنّ الإنذار للذين يخافون أن يحشروا إنذار نافع ، خلافاً لحال الذين ينكرون الحشر ، فلا يخافونه فضلاً عن الاحتياج إلى شفعاء .
و { أن يحشروا } مفعول { يخافون } ، أي يخافون الحشر إلى ربِّهم فهم يقدّمون الأعمال الصالحة وينتهون عمَّا نهاهم خيفة أن يَلقَوا الله وهو غير راض عنهم . وخوفُ الحشر يقتضي الإيمان بوقوعه . ففي الكلام تعريض بأنّ المشركين لا ينجع فيهم الإنذار لأنَّهم لا يؤمنون بالحشر فكيف يخافونه . . ولذلك قال فيهم { إنّ الذين كفروا سواء عليهم ءَأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون } [ البقرة : 6 ] .
وجملة : { ليس لهم من دونه ولي ولا شفيع } حال من ضمير { أن يحشروا } ، أي يحشروا في هذه الحالة ، فهذه الحال داخلة في حيّز الخوف . فمضمون الحال معتقد لهم ، أي ليسوا ممَّن يزعمون أنّ لهم شفعاء عند الله لا تردّ شفاعتهم ، فهم بخلاف المشركين الذين زعموا أصنامهم شفعاء لهم عند الله .
وقوله { من دونه } حال من { ولي } و { شفيع } ، والعامل في الحال فعل { يخافون } ، أي ليس لهم ولي دون الله ولا شفيع دون الله ذلك بأنّ الله مولى الذين آمنوا . وهو تعريض بالمشركين الذين اتَّخذوا شفعاء وأولياء غير الله .
وفي الآية دليل على ثبوت الشفاعة بإذن الله كما قال تعالى : { من ذا الذي يشفع عنده إلاّ بإذنه } [ البقرة : 255 ] . ولصاحب « الكشاف » هنا تكلّفات في معنى { يخافون أن يحشروا } وفي جعل الحال من ضمير { يحشروا } حالاً لازمة ، ولعلّه يرمي بذلك إلى أصل مذهبه في إنكار الشفاعة .
وقوله : { لعلّهم يتَّقون } رجاء مسوق مساق التعليل للأمر بإنذار المؤمنين لأنَّهم يرجى تقواهم ، بخلاف من لا يؤمنون بالبعث .