المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية  
{وَأَنذِرۡ بِهِ ٱلَّذِينَ يَخَافُونَ أَن يُحۡشَرُوٓاْ إِلَىٰ رَبِّهِمۡ لَيۡسَ لَهُم مِّن دُونِهِۦ وَلِيّٞ وَلَا شَفِيعٞ لَّعَلَّهُمۡ يَتَّقُونَ} (51)

و { أنذر } عطف على { قل } ، والنبي عليه السلام مأمور بإنذار جميع الخلائق ، وإنما وقع التخصيص هنا بحسب المعنى الذي قصد ، وذلك أن فيما تقدم من الآيات نوعاً من اليائس في الأغلب عن هؤلاء الكفرة الذين قد قال فيهم أيضاً { أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون }{[4924]} فكأنه قيل له هنا : قل لهؤلاء الكفرة المعرضين كذا ، ودعهم ورأيهم لأنفسهم وأنذر بالقرآن هؤلاء الآخرين الذين هم مظنة الإيمان وأهل للانتفاع ، ولم يرد أنه لا ينذر سواهم ، بل الإنذار العام ثابت مستقر{[4925]} ، والضمير في { به } عائد على { ما يوحى } «ويخافون » على بابها في الخوف أي الذين يخافون ما تحققوه من أن يحشروا ويستعدون لذلك ، ورب متحقق لشيء مخوف وهو لقلة النظر والحزم لا يخافه ولا يستعد له .

قال القاضي ابو محمد : وقال الطبري : وقيل { يخافون } هنا بمعنى يعلمون ، وهذا غير لازم ، وقوله { الذين يخافون أن يحشروا إلى ربهم } يعم بنفس اللفظ كل مؤمن بالبعث من مسلم ويهودي ونصراني ، وقوله { ليس لهم من دونه ولي ولا شفيع } يحتمل معنيين فإن جعلناه داخلاً في الخوف في موضع نصب على الحال أي يخافون أن يحشروا في حال من لا ولي له ولا شفيع ، فهي مختصة بالمؤمنين المسلمين ولأن اليهود والنصارى يزعمون أن لهم شفعاء وأنهم أبناء الله ونحو هذا من الأباطيل ، وإن جعلنا قوله : { ليس لهم من دونه ولي ولا شفيع } إخباراً من الله تعالى عن صفة الحال يؤمئذ فهي عامة للمسلمين وأهل الكتاب و { لعلهم يتقون } ترجٍّ على حسب ما يرى البشر ويعطيه نظرهم .


[4924]:- من الآية (6) من سورة (البقرة).
[4925]:- روى أبو صالح عن ابن عباس رضي الله عنهما أن هذه الآية نزلت في الموالي، منهم بلال، وصهيب، وخبّاب، وعمار، ومهجع، وسلمان، وعامر بن فهيرة، وسالم مولى أبي حذيفة. تفسير "البحر المحيط".