غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{وَأَنذِرۡ بِهِ ٱلَّذِينَ يَخَافُونَ أَن يُحۡشَرُوٓاْ إِلَىٰ رَبِّهِمۡ لَيۡسَ لَهُم مِّن دُونِهِۦ وَلِيّٞ وَلَا شَفِيعٞ لَّعَلَّهُمۡ يَتَّقُونَ} (51)

51

التفسير : لما وصف الرسل بكونهم مبشرين ومنذرين أمر الرسول صلى الله عليه وسلم بالإنذار وهو الإعلام بموضع المخافة فقال له { وأنذر به } قال ابن عباس والزجاج : أي بالقرآن وهو المذكور هنا في قوله { إن أتبع إلا ما يوحى إليّ } [ الأنعام : 50 ] وقال الضحاك : أي بالله . قيل : والأول أولى لأن الإنذار والتخويف إنما يقع بالقول وفيه نظر ، لأن الإنذار لا نزاع فيه أنه قول ولكن المنذر به قلما يكون قولاً لقوله { وأنذرهم يوم الآزفة } [ غافر : 18 ] { فأنذرتكم ناراً تلظى } [ الليل : 14 ] ولو زعم أن المراد وأنذرهم النار والعذاب بواسطة القرآن قلنا : فقدر مثله هاهنا ، والمعنى أنذرهم العذاب بقول ينبئ عن شدة سخط الله وعقوبته . أما { الذين يخافون أن يحشروا } فقيل : إنهم الكافرون الذين سبق ذكرهم ، فلعل ناساً من المشركين من حالهم أنهم يخافون إذا سمعوا بحديث البعث أن يكون حقاً فيهلكوا فهم ممن يرجى أن ينجع فيهم الإنذار فأمر أن ينذر هؤلاء دون المتمردين منهم . ثم قال هذا القائل ولا يجوز حمله على المؤمنين لأنهم يعلمون أنهم يحشرون ، والعلم خلاف الخوف والظن . وضعف بأن الخوف شامل للناس كافة لعدم الجزم بالثواب وقبول الطاعة وإن كانوا مقرين بصحة الحشر والنشر فالظاهر أن الضمير يتناول الكل لأن العاقل لا بد أن يخاف الحشر سواء كان جازماً به أو شاكاً فيه . وأيضاً إنه مأمور بتبليغ الكل فلا وجه للتخصيص . وقيل : إنهم قوم مسلمون مفرطون في العمل فينذرهم بما أوحي إليه لعلهم يدخلون في زمرة أهل التقوى من المسلمين . وقيل : هم أهل الكتاب لأنهم مقرون بالعبث . ومعنى { إلى ربهم } إلى حكمه وقضائه فلا يلزم منه مكان ولا جهة . أما قوله { ليس لهم من دونه ولي ولا شفيع } فقال الزجاج : إن الجملة في موضع الحال من ضمير { يحشروا } أي يخافون أن يحشروا غير منصورين ولا مشفوعاً لهم . فإن كان الضمير للكفار فظاهر ، وإن كان للمؤمنين فشفاعة الملائكة والرسل إذا كانت بإذن الله تعالى فإنها تكون بالحقيقة من الله تعالى فصح أنه ليس لهم من دونه ولي ولا شفيع ، ولا بد من هذه الحال لأن الحشر مطلقاً ليس مخوفا وإنما المخوف هو الحشر على هذه الحالة لأنهم اعتقدوا أن لا ناصر ولا شفيع إلا الله وإذا لم يكن الله ناصراً وشفيعاً لزم أن لا يكون ناصراً أصلاً . { لعلهم يتقون } قال ابن عباس : لكي يخافوا في الدنيا وينتهوا عن الكفر والمعاصي . قالت المعتزلة : فيه دلالة على أنه أراد من الكفار التقوى والطاعة . وأجيب بأن الترجي راجع إلى العباد . ولما أمر بإنذار عموم المكلفين ليتقوا أردفهم بذكر المتقين وأمر بتقريبهم وإكرامهم .

/خ60