الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي  
{وَأَنذِرۡ بِهِ ٱلَّذِينَ يَخَافُونَ أَن يُحۡشَرُوٓاْ إِلَىٰ رَبِّهِمۡ لَيۡسَ لَهُم مِّن دُونِهِۦ وَلِيّٞ وَلَا شَفِيعٞ لَّعَلَّهُمۡ يَتَّقُونَ} (51)

قوله تعالى : " وأنذر به " أي بالقرآن . والإنذار الإعلام وقد تقدم في البقرة{[6370]} . وقيل : " به " أي بالله . وقيل : باليوم الآخر . وخص " الذين يخافون أن يحشروا إلى ربهم " لأن الحجة عليهم أوجب ، فهم خائفون من عذابه ، لا أنهم يترددون في الحشر ، فالمعنى " يخافون " يتوقعون عذاب الحشر . وقيل : " يخافون " يعلمون ، فإن كان مسلما أنذر ليترك المعاصي ، وإن كان من أهل الكتاب أنذر ليتبع الحق . وقال الحسن : المراد المؤمنون . قال الزجاج : كل من أقر بالبعث من مؤمن وكافر . وقيل : الآية في المشركين أي أنذرهم بيوم القيامة . والأول أظهر . " ليس لهم من دونه " أي من غير الله " شفيع " هذا رد على اليهود والنصارى في زعمهما أن أباهما يشفع لهما حيث قالوا : " نحن أبناء الله وأحباؤه " [ المائدة : 18 ] والمشركون حيث جعلوا أصنامهم شفعاء لهم عند الله ، فأعلم الله أن الشفاعة لا تكون للكفار . ومن قال الآية في المؤمنين قال : شفاعة الرسول لهم تكون بإذن الله فهو الشفيع حقيقة إذن ؛ وفي التنزيل : " ولا يشفعون إلا لمن ارتضى " {[6371]} [ الأنبياء : 28 ] . " ولا تنفع الشفاعة عنده إلا لمن أذن له " {[6372]} [ سبأ : 23 ] . " من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه{[6373]} " [ البقرة :255 ] . " لعلهم يتقون " أي في المستقبل وهو الثبات على الإيمان .


[6370]:راجع ج 1 ص 289 و ص 184.
[6371]:راجع ج 11 ص 281.
[6372]:راجع ج 14 ص 295.
[6373]:راجع ج 3 ص 273.