جامع البيان في تفسير القرآن للإيجي - الإيجي محيي الدين  
{وَأَنذِرۡ بِهِ ٱلَّذِينَ يَخَافُونَ أَن يُحۡشَرُوٓاْ إِلَىٰ رَبِّهِمۡ لَيۡسَ لَهُم مِّن دُونِهِۦ وَلِيّٞ وَلَا شَفِيعٞ لَّعَلَّهُمۡ يَتَّقُونَ} (51)

{ وأنذر{[1414]} به } بالقرآن ، { الذين{[1415]} يخافون أن يُحشروا إلى ربهم } : يخافون هول يوم الحشر لا من جزم استحالته ، { ليس لهم من دونه وليّ } : يتولى أمرهم ، { ولا شفيع{[1416]} } : يشفع{[1417]} بغير إذنه إن أراد العذاب بهم ، والجملة حال ، { لعلهم يتقون } : عن كفرهم ومعصيتهم .


[1414]:ولما قال: (وما نرسل المرسلين إلا مبشرين ومنذرين) أمر بالإنذار لأنهم أجلاف، فقال: (وأنذر به الذين) الآية/12 وجيز.
[1415]:والخائف المقصر في العمل من المؤمنين وأهل الكتاب وكثير من المشركين بعدما أخبروا بالحشر/12.
[1416]:قوله: (ليس لهم من دونه ولي ولا شفيع) الآية قال الإمام الرازي في التفسير الكبير: لا ينافي هذه الآية مذهبنا في إثبات الشفاعة للمؤمنين، لأن شفاعة الملائكة والرسل للمؤمنين إنما يكون بإذن الله لقوله تعالى: (من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه) (البقرة: 255)، فلما كانت تلك الشفاعة بإذن الله تعالى كانت في الحقيقة من الله تعالى. انتهى وفي لباب التأويل تحت قوله تعالى: (قل لله الشفاعة جميعا) (الزمر: 44)، أي: لا يشفع إلا بإذنه فكان الاشتغال بعبادته أولى، لأنه هو الشفيع في الحقيقة، وهو يأذن في الشفاعة لمن يشاء من عباده. انتهى، وقال الشيخ شمس الدين بن عبد الهادي في كتابه الصارم المنكى: فمن أنكر شفاعة نبينا في أهل الكبائر فهو مبتدع ضال كما ينكرها الخوارج والمعتزلة، ومن قال: إن مخلوقا يشفع عند الله بغير إذنه، فقد خالف جميع المسلمين ونصوص القرآن قال تعالى: (من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه) (البقرة: 255)، وقال تعالى: (ولا يشفعون إلا لمن ارتضى) (الأنبياء: 28)، وقال تعالى: (وكم من ملك في السماوات لا تغني شفاعتهم شيئا إلا من بعد أن يأذن الله لمن يشاء ويرضى) (النجم: 26)، وقال تعالى: (وخشعت الأصوات للرحمن فلا تسمع إلا همسا يومئذ لا تنفع الشفاعة إلا من أذن له الرحمن ورضي له قولا) (طه: 108،109)، وقال تعالى: (ما لكم من دونه من ولي ولا شفيع) (السجدة: 4)، ومثل هذا في القرآن كثير. انتهى وقال المصنف في موضع آخر من كتابه المذكور: (ولا تنفع الشفاعة عنده إلا لمن أذن له) (سبأ: 23)، قد فسروها بأنه يؤذن للشافع والمشفوع له جميعا فإن سيد الشفعاء يوم القيامة محمد -صلى الله عليه وسلم- إذا أراد الشفاعة قال: (فإذا رأيت ربي خررت له ساجدا فأحمده بمحامد يفتحها على لا أحسنها الآن، فيقال لي ارفع رأسك، وقل تسمع، وسل تعط، واشفع تشفع قال: فيحد لي حدا فأدخلهم الجنة) وكذلك ذكره في المرة الثانية، والمرة الثالثة، ولهذا قال (ولا يملك الذين يدعون من دونه الشفاعة) (الزخرف: 86)، فأخبر أنه لا يملكها أحد دون الله وقوله (إلا من شهد بالحق وهم يعلمون) (الزخرف: 86)، استثناء منقطع أي: من شهد بالحق وهم يعلمون أنهم أصحاب الشفاعة منهم الشافع، ومنهم المشفوع له. انتهى أقول: فثبت من هذه الدلائل أن الشفاعة كلها لله، وأنه لا يشفع أحد عنده إلا بإذنه وأنه لا يأذن إلا لمن رضي قوله وعلمه وأنه لا يرضى إلا بالتوحيد والشفاعة مقيدة بهذه القيود كما تقدمت الأدلة الدالة على ذلك (والله يقول الحق وهو يهدي السبيل) (الأحزاب: 4)/12.
[1417]:وفيه رد على من زعم من الكفار المعترفين بالحشر أن آباءهم هم يشفعون لهم وهم أهل الكتاب أو أصنامهم تشفع لهم، وهم المشركون أو أن المشايخ يشفعون لمريدهم وهم المتصوفون، لأن الشفاعة لا تكون إلا بإذن الله: (من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه) (البقرة: 255)/12 فتح.