معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{ٱلَّذِينَ هُمۡ فِي صَلَاتِهِمۡ خَٰشِعُونَ} (2)

قوله تعالى : { الذين هم في صلاتهم خاشعون } اختلفوا في معنى الخشوع ، فقال ابن عباس : مخبتون أذلاء . وقال الحسن وقتادة : خائفون . وقال مقاتل : متواضعون . وقال مجاهد : هو غض البصر وخفض الصوت . والخشوع قريب من الخضوع إلا أن الخضوع في البدن ، والخشوع في القلب والبدن والبصر والصوت ، قال الله عز وجل : { وخشعت الأصوات للرحمن } وعن علي رضي الله عنه : هو أن لا يلتفت يميناً ولا شمالاً . وقال سعيد بن جبير : هو أن لا يعرف من على يمينه ولا من على شماله ، ولا يلتفت من الخشوع لله عز وجل .

أخبرنا عبد الواحد المليحي ، أنبأنا أحمد النعيمي ، أنبأنا محمد بن يوسف ، أنبأنا محمد بن إسماعيل ، حدثنا مسدد ، أنبأنا أبو الأحوص ، أنبأنا أشعث بن سليم ، عن أبيه ، عن مسروق ، عن عائشة قالت : " سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الالتفات في الصلاة فقال :هو اختلاس يختلسه الشيطان من صلاة العبد " .

وأخبرنا أبو الحسن السرخسي ، أنبأنا أبو علي زاهر بن أحمد ، أنبأنا أبو الحسن القاسم بن بكر الطيالسي ببغداد ، أنبأنا أبو أمية محمد بن إبراهيم الطرسوسي ، أنبأنا عبد الغفار بن عبيد الله ، أنبأنا صالح بن أبي الأخضر ، عن الزهري ، عن أبي الأحوص ، عن أبي ذر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " لا يزال الله مقبلاً على العبد ما كان في صلاته ما لم يلتفت فإذا التفت أعرض عنه " . وقال عمرو بن دينار : هو السكون وحسن الهيئة . وقال ابن سيرين وغيره : هو أن لا ترفع بصرك عن موضع سجودك . وقال أبو هريرة : " كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يرفعون أبصارهم إلى السماء في الصلاة ، فلما نزل الذين هم في صلاتهم خاشعون رموا بأبصارهم إلى مواضع السجود " .

أخبرنا عبد الواحد المليحي ، أنبأنا أحمد النعيمي ، أنبأنا محمد بن يوسف ، أنبأنا محمد بن إسماعيل ، أنبأنا علي بن عبد الله ، أنبأنا يحيى بن سعيد ، أنبأنا ابن أبي عروبة ، أنبأنا قتادة أن أنس ابن مالك حدثهم قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : " ما بال أقوام يرفعون أبصارهم إلى السماء في صلاتهم ، فاشتد قوله في ذلك حتى لينتهن عن ذلك أو لتخطفن أبصارهم " . وقال عطاء : هو أن لا تعبث بشيء من جسدك في الصلاة . وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم : " أبصر رجلاً يعبث بلحيته في الصلاة فقال : لو خشع قلب هذا خشعت جوارحه " .

أخبرنا أبو عثمان الضبي ، أنبأنا أبو محمد الجراحي ، أنبأنا أبو العباس المحبوبي ، أنبأنا أبو عيسى الترمذي ، أنبأنا سعيد ، عن عبد الرحمن المخزومي ، أنبأنا سفيان بن عيينة ، عن الزهري ، عن أبي الأحوص ، عن أبي ذر ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إذا قام أحدكم إلى الصلاة فلا يمسح الحصى فإن الرحمة تواجهه " . وقيل : الخشوع في الصلاة هو جمع الهمة ، والإعراض عما سواها ، والتدبر فيما يجري على لسانه من القراءة والذكر .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{ٱلَّذِينَ هُمۡ فِي صَلَاتِهِمۡ خَٰشِعُونَ} (2)

{ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ } والخشوع في الصلاة : هو حضور القلب بين يدي الله تعالى ، مستحضرا لقربه ، فيسكن لذلك قلبه ، وتطمئن نفسه ، وتسكن حركاته ، ويقل التفاته ، متأدبا بين يدي ربه ، مستحضرا جميع ما يقوله ويفعله في صلاته ، من أول صلاته إلى آخرها ، فتنتفي بذلك الوساوس والأفكار الردية ، وهذا روح الصلاة ، والمقصود منها ، وهو الذي يكتب للعبد ، فالصلاة التي لا خشوع فيها ولا حضور قلب ، وإن كانت مجزئة مثابا عليها ، فإن الثواب على حسب ما يعقل القلب منها .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{ٱلَّذِينَ هُمۡ فِي صَلَاتِهِمۡ خَٰشِعُونَ} (2)

{ الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ } " قال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : { خَاشِعُونَ } : خائفون ساكنون . وكذا روي عن مجاهد ، والحسن ، وقتادة ، والزهري{[20453]} .

وعن علي بن أبي طالب ، رَضِي الله عنه : الخشوعُ : خشوعُ القلبِ . وكذا قال إبراهيم النخعي .

وقال الحسن البصري : كان خشوعهم في قلوبهم ، فغضوا بذلك أبصارهم ، وخفضوا الجناح .

وقال محمد بن سيرين : كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يرفعون أبصارهم إلى السماء في الصلاة ، فلما نزلت هذه الآية : { قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ . الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ } خفضوا أبصارهم إلى موضع سجودهم .

[ و ]{[20454]} قال ابن سيرين : وكانوا يقولون : لا يجاوز بصره مُصَلاه ، فإن كان قد اعتاد النظر فَلْيُغْمِضْ . رواه ابن جرير وابن أبي حاتم .

ثم رَوَى{[20455]} ابن جرير عنه ، وعن عطاء بن أبي رَبَاح أيضًا مرسلا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يفعل ذلك ، حتى نزلت هذه الآية .

والخشوع في الصلاة إنما يحصل بمن فَرَّغ قلبه لها ، واشتغل بها عما عداها ، وآثرها على غيرها ، وحينئذ تكون راحة له وقُرَّة عين ، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم ، في الحديث الذي رواه الإمام أحمد والنسائي ، عن أنس ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : " حُبِّبَ إليَّ الطِّيب والنساء ، وجعلت قرة عيني في الصلاة " {[20456]} .

وقال الإمام أحمد : حدثنا وَكِيع ، حدثنا مِسْعَر ، عن عمرو بن مُرَّة ، عن سالم بن أبي الجَعْد ،

عن رجل من أسلَم ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " يا بلال ، أرحنا بالصلاة " {[20457]} .

وقال الإمام أحمد أيضًا ؛ حدثنا عبد الرحمن بن مَهْدِي ، حدثنا إسرائيل ، عن عثمان بن المغيرة ، عن سالم ابن أبي الجعد ، أن محمد بن الحنفية قال : دخلت مع أبي على صهر لنا من الأنصار ، فحَضَرت الصلاة ، فقال : يا جارية ، ائتني بوَضُوء لعلي أصلي فأستريح . فرآنا{[20458]} أنكرنا عليه ذلك{[20459]} ، فقال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " قم يا بلال ، فأرحنا بالصلاة " {[20460]} .


[20453]:- في ف ، أ : "والزهري وقتادة".
[20454]:- زيادة من أ.
[20455]:- في أ : "ورواه".
[20456]:- المسند (3/128) وسنن النسائي (6117).
[20457]:- المسند (5/364).
[20458]:- في ف ، أ : "فرأى أنا".
[20459]:- في ف : "ذلك عليه".
[20460]:- المسند (5/371).
 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{ٱلَّذِينَ هُمۡ فِي صَلَاتِهِمۡ خَٰشِعُونَ} (2)

{ الذين هم في صلاتهم خاشعون } خائفون من الله سبحانه وتعالى متذللون له ملزمون أبصارهم مساجدهم . روي أنه صلى الله عليه وسلم كان يصلي رافعا بصره إلى السماء ، فلما نزلت رمى ببصره نحو مسجده وأنه رأى رجلا يعبث بلحيته فقال : " لو خشع قلب هذا لخشعت جوارحه " .