فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{ٱلَّذِينَ هُمۡ فِي صَلَاتِهِمۡ خَٰشِعُونَ} (2)

ثم وصف هؤلاء المؤمنين بقوله :

{ الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ } وما عطف عليه ، والخشوع منهم من جعله من أفعال القلوب ، كالخوف والرهبة ، ومنهم من جعله من أفعال الجوارح كالسكون وترك الالتفات والعبث ، وهو في اللغة السكون والتواضع والخوف والتذلل . وقد اختلف الناس في الخشوع هل هو من فرائض الصلاة أو من فضائلها ؟ على قولين . قيل الصحيح الأول وقيل الثاني ، وادعى عبد الواحد بن يزيد إجماع العلماء على أنه ليس للعبد إلا ما عقل من صلاته .

حكاه النيسابوري في تفسيره قال : ومما يدل على صحة القول قوله تعالى : { أفلا يتدبرون القرآن } والتدبر لا يتصور بدون الوقوف على المعنى ، وكذا قال : { أقم الصلاة لذكري } والغفلة تضاد الذكر ، ولهذا قال : { ولا تكن من الغافلين } وقوله : { حتى تعلموا ما تقولون } نهي للسكران والمستغرق في هموم الدنيا بمنزلته .

أخرج البيهقي عن محمد بن سيرين قال : " نبئت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا صلى رفع بصره إلى السماء فنزلت { الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ } وزاد عبد الرزاق عنه فأمره بالخشوع فرمى ببصره نحو مسجده .

وأخرج الحاكم وصححه والبيهقي في سننه عن أبي هريرة كان إذا صلى رفع بصره إلى السماء فنزلت هذه الآية فطأطأ رأسه .

وعن علي قال : الخشوع في القلب وأن تلين كنفك للمرء المسلم وأن لا تلتفت في صلاتك . وقال ابن عباس : خاشعون ، خائفون ساكنون ، وقيل خاضعون بالقلب ساكنون بالجوارح فلا يلتفون يمينا ولا شمالا ، وهذا من فروض الصلاة عند الغزالي . وذهب بعضهم إلى أنه ليس بواجب لأن اشتراط الخضوع والخشوع مخالف لإجماع الفقهاء فلا يلتفت إليه ، وقد ورد في مشروعية الخشوع في الصلاة والنهي عن الالتفات وعن رفع البصر إلى السماء أحاديث معروفة في كتب الحديث .