وأما الخشوع فمنهم من جعله من أفعال القلوب كالخوف والرهبة ، ومنهم من جعله من أفعال الجوارح كالسكون ، وترك الالتفات ، والنظر إلى موضع السجود ، والتوقي عن كف الثوب أي جمعه ، والعبث بجسده وثيابه ، والتمطي والتثاؤب والتغميض وتغطية الفم ، والسدل بأن يضع وسط الثوب على رأسه أو على عاتقه ويرسل طرفيه ، والاحتراز عن الفرقعة والتشبيك وتقليب الحصى ، والاختصار وهو أن يمسك بيده عصاً أو سوطاً ونحوهما . وقال الحسن وابن سيرين : كان المسلمون يرفعون أبصارهم إلى السماء في صلاتهم ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعل ذلك ، فلما نزلت هذه الآية طأطأ وكان لا يجاوز بصره مصلاة ، وهذا الخشوع واجب عند المحققين . نقل الإمام الغزالي عن أبي طالب المكي عن بشر الحافي : من لم يخشع فسدت صلاته . وعن الحسن : كلا صلاة لا يحضر فيها القلب فهي إلى العقوبة أسرع . وعن معاذ بن جبل : من عرف من على يمينه وشماله متعمداً وهو في الصلاة فلا صلاة له . وروي عنه مرفوعاً : إن العبد ليصلي الصلاة لا يكتب له سدسها وعشرها وإنما يكتب للعبد من صلاته ما عقل منها . وادعى عبد الواحد بن زيد إجماع العلماء على أنه ليس للعبد إلا ما عقل من صلاته . ومما يدل على صحة هذا القول قوله سبحانه { أفلا يتدبرون القرآن } [ النساء : 82 ] والتدبر لا يتصوّر بدون الوقوف على المعنى ، وكذا قوله { وأقم الصلاة لذكرى } [ طه : 14 ] والغفلة تضاد الذكر ولهذا قال { ولا تكن من الغافلين } [ الأعراف : 205 ] وقوله { حتى تعلموا ما تقولون } [ النساء : 43 ] نهي للسكران إلا أن المستغرق في هموم الدنيا بمنزلته . وقوله صلى الله عليه وسلم " المصلي يناجي ربه " ولا مناجاة مع الغفلة أصلاً بخلاف سائر أركان الإسلام فإِن المقصود منها يحصل مع الغفلة ، فإن الغرض من الزكاة كسر الحرص وإغناء الفقير ، وكذا الصوم قاهر للقوي كاسر لسطوة النفس التي هي عدّو الله ، وكذا الحج فإِن أفعاله شاقة وفيه من المجاهدة ما يحصل به الابتلاء وإن لم يكن القلب حاضراً . والمتكلمون أيضاً اتفقوا على أنه لا بد من الحضور والخشوع قالوا : لأن السجود لله تعالى طاعة ، وللصنم كفر ، وكل واحد منهما يماثل الآخر في ذاته ولوازمه ، فلا بد من مميز وما ذاك إلا القصد والإرادة ولا بد فيهما من الحضور .
وأما الفقهاء فالأكثرون منهم لا يوجبون ذلك فيقال لهم : هبوا أنه ليس من شرط الإجزاء وهو عدم وجوب القضاء ، أليس هو من شرط القبول الذي يترتب عليه الثواب ؟ فمن استعار ثوباً ثم ردّه على أحسن الوجوه فقد خرج عن العهدة ، وكذا إن ردّه على وجه الإهانة والاستخفاف إلا أنه يستحق المدح في الصورة الأولى والذم في الصورة الثانية . وعن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أبصر رجلاً يعبث بلحيته في الصلاة فقال صلى الله عليه وسلم " لو خشع قلب هذا لخشعت جوارحه " ونظر الحسن إلى رجل يعبث بالحصى وهو يقول : اللهم زّوجني الحور العين . فقال : بئس الخاطب أنت قلت : لا ريب أن الاحتياط إنما هو في رعاية جانب الخشوع كما حكي عن بعض العلماء أنه اختار الإمامة فقيل له في ذلك ؟ فقال : أخاف إن تركت الفاتحة أن يعاتبني الشافعي . وإن قرأت مع الإمام أن يعاتبني أبو حنيفة ، فاخترت الإمامة طلباً للخلاص عن هذا الخلاف . قال علماء المعاني : سبب إضافة الصلاة إليهم هو أن الصلاة دائرة بين المصلي والمصلى لأجله ، فالمصلي هو المنتفع بها وحده وهي عدته وذخيرته ، وأما المصلى له فمتعال عن ذلك .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.