لباب التأويل في معاني التنزيل للخازن - الخازن  
{ٱلَّذِينَ هُمۡ فِي صَلَاتِهِمۡ خَٰشِعُونَ} (2)

{ الذين هم في صلاتهم خاشعون } قال ابن عباس : مخبتون أذلاّء خاضعون . وقيل خائفون وقيل : متواضعون وقيل الخشوع من أفعال القلب كالخوف والرهبة وقيل هو من أفعال الجوارح كالسكون وترك الالتفات وغض البصر . وقيل لا بد من الجمع بين أفعال القلب والجوارح وهو الأولى فالخاشع في صلاته لا بد وأن يحصل له الخشوع في جميع الجوارح ، فأما ما يتعلق بالقلب من الأفعال فنهاية الخضوع والتذلل للمعبود ولا يلتفت الخاطر إلى شيء سوى ذلك التعظيم . وأما ما يتعلق بالجوارح فهو أن يكون ساكناً مطرقاً ناظراً إلى موضع سجوده . وقيل الخشوع هو أن لا يعرف من على يمينه ولا من على شماله ( ق ) عن عائشة قالت : « سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الالتفات في الصلاة فقال هو اختلاس يختلسه الشيطان من صلاة العبد » الاختلاس هو الاختطاف عن أبي ذر عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال : « لا يزال الله مقبلاً على العبد وهو في صلاته ما لم يلتفت فإذا التفت انصرف عنه » وفي رواية « أعرض عنه » أخرجه أبو داود والنسائي . وقيل الخشوع هو أن لا يرفع بصره إلى السماء ( خ ) عن أنس بن مالك قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « ما بال أقوام يرفعون أبصارهم إلى السماء في صلاتهم فاشتد قوله في ذلك حتى قال : لينتهن عن ذلك أو لتخطفن أبصارهم » وقال أبو هريرة كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يرفعون أبصارهم إلى السماء في الصلاة فلما نزل { الذين هم في صلاتهم خاشعون } رمقوا بأبصارهم إلى موضع السجود . وقيل الخشوع هو أن لا يعبث بشيء من جسده في الصلاة لما روي « أن النبيّ صلى الله عليه وسلم أبصر رجلاً يعبث بلحيته في الصلاة فقال : لو خشع قلب هذا خشعت جوارحه » ذكره البغوي بغير سند . عن أبي ذر عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال « إذا قام أحدكم إلى الصلاة فلا يمسح الحصى فإن الرحمة تواجهه » أخرجه أبو داود والترمذي والنسائي . وقيل الخشوع في الصلاة هو جمع الهمة والإعراض عمّا سوى الله والتدبر فيما يجري على لسانه من القراءة والذكر .