السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{ٱلَّذِينَ هُمۡ فِي صَلَاتِهِمۡ خَٰشِعُونَ} (2)

الصفة الثانية : المذكورة في قوله تعالى : { الذين هم } أي : بضمائرهم وظواهرهم { في صلاتهم خاشعون } قال ابن عباس : مخبتون أذلاء ، وقيل : خائفون ، وقيل : متواضعون ، وعن قتادة : الخشوع إلزام موضع السجود ، روى الحاكم وقال : صحيح على شرط الشيخين : «أنه صلى الله عليه وسلم كان يصلي رافعاً بصره إلى السماء ، فلما نزلت هذه الآية رمى ببصره إلى نحو مسجده » أي : موضع سجوده وكان الرجل إذا قام إلى الصلاة هاب الرحمن أنّ يشدّ بصره إلى شيء أو يحدّث بشيء من شأنّ الدنيا ، وقيل : هو جمع الهمة لها والإعراض عما سواها ، ومن الخشوع أنّ يستعمل الأدب فيتوقى كف الثوب والعبث بجسده وثيابه والتشبيك والالتفات والتمطي والتثاؤب والتغميض وتغطية الفم والسدل والفرقعة والاختصار ، وتقليب الحصى ؛ روى الترمذي لكن بسند ضعيف : «أنه صلى الله عليه وسلم أبصر رجلاً يعبث بلحيته في الصلاة فقال : لو خشع قلب هذا خشعت جوارحه » ، ونظر الحسن إلى رجل يعبث بالحصى وهو يقول : اللهم زوّجني الحور العين فقال : بئس الخاطب أنت تخطب وأنت تعبث ، وعنه أنه قال : كل صلاة لا يحضر فيها القلب فهي إلى العقوبة أسرع ، وعن معاذ بن جبل : من عرف من على يمينه وشماله وهو في الصلاة فلا صلاة له ، وروي أنه صلى الله عليه وسلم قال : «إنما يكتب للعبد من صلاته ما عقل منها » ، وقال صلى الله عليه وسلم «كم من قائم حظه من قيامه التعب والنصب » وقال : «من لم تنهه الصلاة عن الفحشاء والمنكر لم يزدد من الله إلا بعداً » .

فينبغي للشخص أنّ يحتاط في صلاته ليوقعها على التمام ، فإنّ بعض العلماء اختار عدم الإمامة ، فقيل له في ذلك ، فقال : أخاف إن تركت الفاتحة أنّ يعاتبني الشافعيّ وإن قرأتها أنّ يعاتبني أبو حنيفة فاخترت عدم الإمامة طلباً للخلاص من هذا الخلاف . فإن قيل : لم أضيفت الصلاة إليهم ؟ أجيب : بأنّ الصلاة وصلة بين الله وبين عباده والمصلي هو المنتفع بها وحده ، وهي عدّته وذخيرته فهي صلاته ، وأما الله تعالى فهو غنيّ متعالٍ عن الحاجة إليها والانتفاع بها .