قوله : { فِي صَلاَتِهِمْ خَاشِعُونَ } الجار متعلق بما بعده ، وقُدّم للاهتمام به ، وحسنه كون{[32103]} متعلقه فاصلة ، وكذا{[32104]} فيما بعده من أخواته ، وأضيف الصلاة إليهم ، لأنهم هم المنتفعون بها ، والمُصلى له غَنِيٌّ عنها ، فلذلك أضيفت إليهم دونه{[32105]} .
اختلفوا في الخشوع فمنهم من جعله من أفعال القلوب كالخوف والرهبة ، ومنهم من جعله من أفعال الجوارح كالسكون وترك الالتفات ومنهم من جمع بين الأمرين ، وهو الأولى{[32106]} .
قال ابن عباس{[32107]} : مخبتون أذلاء . وقال الحسن وقتادة : خائفون . وقال مقاتل : متواضعون . وقال مجاهد : هو غض البصر وخفض الصوت ، والخشوع قريب من الخضوع إلا أنّ الخضوع في البدن ، والخشوع في القلب{[32108]} والبصر والصوت قال تعالى : { وَخَشَعَتِ الأصوات للرحمن{[32109]} } . [ طه : 108 ] . وعن عليّ : هو أن لا يلتفت يميناً ولا شمالاً . وقال سعيد بن جبير : هو أن لا يعرف من على يمينه ولا من على يساره{[32110]} . وقال عطاء : هو أن تعبث بشيء من جسدك ، لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - أبصر رجلاً يعبث بلحيته في الصلاة ، فقال : «لو خشع قلب هذا لخشعت جوارحه »{[32111]} . وقال{[32112]} ابن الخطيب : وهو{[32113]} عندنا واجب ، ويدل عليه أمور :
أحدها : قوله تعالى : { أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ القرآن أَمْ على قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا }{[32114]} . [ محمد : 24 ] . والتدبير لا يتصور بدون الوقوف على المعنى ، وقوله تعالى : { وَرَتِّلِ القرآن تَرْتِيلاً }{[32115]} [ المزمل : 4 ] أي : قفوا على عجائبه ومعانيه .
وثانيها : قوله تعالى : { أَقِمِ الصلاة لذكري }{[32116]} [ طه : 14 ] وظاهر{[32117]} الأمر للوجوب ، والغفلة تضاد الذكر{[32118]} ، فمن غفل في جميع صلاته كيف يكون مقيماً للصلاة لذكره .
وثالثها : قوله تعالى : { وَلاَ تَكُنْ مِّنَ الغافلين }{[32119]} [ الأعراف : 205 ] وظاهره{[32120]} للتحريم ، وقوله : { حتى تَعْلَمُواْ مَا تَقُولُونَ }{[32121]} [ النساء : 43 ] تعليل لنهي السكران ، وهو مطرد في الغافل المستغرق في الدنيا .
ورابعها : قوله - عليه السلام{[32122]} - «من لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر لم يزدد من الله إلا بعداً »{[32123]} وصلاة الغافل لا تمنع من الفحشاء ، قال عليه السلام{[32124]} : «كم من قائم حظّه من قيامه التعب والنصب »{[32125]} وما أراد به إلا الغافل ، وقال أيضاً : «ليس للعبد من صلاته إلا ما عقل » ، وقالت عائشة - رضي الله عنها{[32126]} - سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الالتفات في الصلاة ، فقال : «هو اختلاسٌ{[32127]} يَخْتَلِسُهُ الشَّيْطَانُ من صلاة العبد »{[32128]} وعن أبي ذر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : «لا يزال الله - عزَّ وجلَّ{[32129]} - مُقْبِلاً على العبد ما كان في صلاته ما لم يلتفت فإذا التفت أعرض عنه »{[32130]} . وذهب بعضهم إلى أنه ليس بواجب لأنّ اشتراط الخضوع والخشوع خلاف لإجماع الفقهاء فلا يلتفت إليه .
وأُجيب بأن هذا الإجماع ممنوع ، لأن المتكلمين اتفقوا على أنه لا بُدّ من الخضوع والخشوع ، واحتجوا بأن السجود لله تعالى{[32131]} طاعة ، وللصنم كفر ، وكل واحد منهما يماثل الآخر في ذاته ولوازمه ، فلا بُدّ من أمر لأجله يصير السجود في إحدى الصورتين طاعة ، وفي الأخرى معصية ، قالوا : وما ذاك إلا القصد والإرادة ، والمراد من القصد : إيقاع تلك الأفعال لداعية الامتثال ، وهذه الداعية لا يمكن حصولها إلا عند الحضور{[32132]} .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.