معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{وَإِمَّا تُعۡرِضَنَّ عَنۡهُمُ ٱبۡتِغَآءَ رَحۡمَةٖ مِّن رَّبِّكَ تَرۡجُوهَا فَقُل لَّهُمۡ قَوۡلٗا مَّيۡسُورٗا} (28)

قوله تعالى : { وإما تعرضن عنهم } ، نزلت في مهجع ، وبلال ، وصهيب ، وسالم ، وخباب ، كانوا يسألون النبي صلى الله عليه وسلم في الأحايين ما يحتاجون إليه ، ولا يجد ، فيعرض عنهم حياءً منهم ويمسك عن القول ، فنزل { وإما تعرضن عنهم } ، وإن تعرض عن هؤلاء الذين أمرك أن تؤتيهم ، { ابتغاء رحمة من ربك ترجوها } ، انتظار رزق من الله ترجوه أن يأتيك ، { فقل لهم قولاً ميسوراً } ليناً ، وهي العدة ، أي : عدهم وعداً جميلاً . وقيل : القول الميسور أن تقول : رزقنا الله وإياك .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَإِمَّا تُعۡرِضَنَّ عَنۡهُمُ ٱبۡتِغَآءَ رَحۡمَةٖ مِّن رَّبِّكَ تَرۡجُوهَا فَقُل لَّهُمۡ قَوۡلٗا مَّيۡسُورٗا} (28)

{ وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ ابْتِغَاءَ رَحْمَةٍ مِنْ رَبِّكَ تَرْجُوهَا } أي : تعرض عن إعطائهم إلى وقت آخر ترجو فيه من الله تيسير الأمر .

{ فَقُلْ لَهُمْ قَوْلًا مَيْسُورًا } أي : لطيفا برفق ووعد بالجميل عند سنوح الفرصة واعتذار بعدم الإمكان في الوقت الحاضر لينقلبوا عنك مطمئنة خواطرهم كما قال تعالى : { قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى }

وهذا أيضا من لطف الله تعالى بالعباد أمرهم بانتظار الرحمة والرزق منه لأن انتظار ذلك عبادة ، وكذلك وعدهم بالصدقة والمعروف عند التيسر عبادة حاضرة لأن الهم بفعل الحسنة حسنة ، ولهذا ينبغي للإنسان أن يفعل ما يقدر عليه من الخير وينوي فعل ما لم يقدر عليه ليثاب على ذلك ولعل الله ييسر له [ بسبب رجائه ]{[470]}


[470]:- زيادة من هامش ب.
 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَإِمَّا تُعۡرِضَنَّ عَنۡهُمُ ٱبۡتِغَآءَ رَحۡمَةٖ مِّن رَّبِّكَ تَرۡجُوهَا فَقُل لَّهُمۡ قَوۡلٗا مَّيۡسُورٗا} (28)

22

فإذا لم يجد إنسان ما يؤدي به حق ذوي القربى والمساكين وابن السبيل واستحيا أن يواجههم ، وتوجه إلى الله يرجو أن يرزقه ويرزقهم ، فليعدهم إلى ميسرة ، وليقل لهم قولا لينا ، فلا يضيق بهم صدره ، ولا يسكت ويدعهم فيحسوا بالضيق في سكوته ، في القول الميسور عوض وأمل وتجمل .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَإِمَّا تُعۡرِضَنَّ عَنۡهُمُ ٱبۡتِغَآءَ رَحۡمَةٖ مِّن رَّبِّكَ تَرۡجُوهَا فَقُل لَّهُمۡ قَوۡلٗا مَّيۡسُورٗا} (28)

عطف على قوله : { وآت ذا القربى والمسكين } [ الإسراء : 26 ] لأنه من تمامه .

والخطاب لغير معين ليعم كل مخاطب . والمقصود بالخطاب النبي لأنه على وزان نظم قوله : { وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه } [ الإسراء : 23 ] فإن المواجهة ب ربك } في القرآن جاءت غالباً لخطاب النبي صلى الله عليه وسلم ويعدله ما روي أن النبي كان إذا سأله أحد مالاً ولم يكن عنده ما يعطيه يعرض عنه حياء فنبهه الله إلى أدب أكمل من الذي تعهده من قبل ويحصل من ذلك تعليم لسائر الأمة .

وضمير { عنهم } عائد إلى ذي القُربى والمسكين وابن السبيل .

والإعراض : أصله ضد الإقبال مشتق من العُرض بضم العين أي الجانب ، فأعرض بمعنى أعطى جانبه { وإذا أنعمنا على الإنسان أعرض ونأى بجانبه } [ الإسراء : 83 ] ، وهو هنا مجاز في عدم الإيتاء أو كناية عنه لأن الإمساك يلازمه الإعراض ، أي إن سألك أحدهم عطاءً فلم تجبه إليه أو إن لم تفتقدهم بالعطاء المعروف فتباعدتَ عن لقائهم حياءً منهم أن تلاقيهم بيد فارغة فقل لهم قولاً ميسوراً .

والميسور : مفعول من اليُسر ، وهو السهولة ، وفعله مبني للمجهول . يقال : يُسِر الأمرُ بضم الياء وكسر السين كما يقال : سُعِد الرجل ونُحِس ، والمعنى : جُعِل يسيراً غير عسير ، وكذلك يقال : عُسِر . والقول الميسور : اللين الحسن المقبول عندهم ؛ شبه المقبول بالميسور في قبول النفس إياه لأن غير المقبول عسير . أمر الله بإرفاق عدم الإعطاء لعدم الموجدة بقول لين حسن بالاعتذار والوعد عند الموجدة ، لئلا يُحمل الإعراض على قلة الاكتراث والشح .

وقد شرط الإعراض بشرطين : أن يكون إعراضاً لابتغاء رزق من الله ، أي إعراضاً لعدم الجدة لا اعتراضاً لبخل عنهم ، وأن يكون معه قول لين في الاعتذار . وعلم من قوله : ابتغاء رحمة من ربك } أنه اعتذار صادق وليس تعللاً كما قال بشار :

وللبخيل على أمواله علل *** رزق العيون عليها أوجه سود

فقوله : { ابتغاء رحمة من ربك } حال من ضمير { تعرضن } مصدر بالوصف ، أي مبتغياً رحمة من ربك . و { ترجوها } صفة ل { رحمة } . والرحمة هنا هي الرزق الذي يتأتى منه العطاء بقرينة السياق . وفيه إشارة إلى أن الرزق سبب للرحمة لأنه إذا أعطاه مستحقه أثيب عليه ، وهذا إدماج .

وفي ضمن هذا الشرط تأديب للمؤمن إن كان فاقداً ما يبلغ به إلى فعل الخير أن يرجوَ من الله تيسير أسبابه ، وأن لا يحمله الشح على السرور بفقد الرزق للراحة من البذل بحيث لا يَعدِم البذلَ الآن إلا وهو راج أن يسهل له في المستقبل حرصاً على فضيلته ، وأنه لا ينبغي أن يعرض عن ذي القربى والمسكين وابن السبيل إلا في حال رجاء حصول نعمة فإن حصلت أعطاهم .