معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{وَلَقَدۡ نَصَرَكُمُ ٱللَّهُ بِبَدۡرٖ وَأَنتُمۡ أَذِلَّةٞۖ فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ لَعَلَّكُمۡ تَشۡكُرُونَ} (123)

قوله تعالى : { ولقد نصركم الله ببدر } . وبدر موضع بين مكة والمدينة وهو اسم لموضع وعليه الأكثرون . وقيل اسم لبئر هناك ، وقيل كانت بدر بئراً لرجل يقال له بدر ، قاله الشعبي ، وأنكر الآخرون عليه . يذكر الله تعالى في هذه الآية منته عليهم بالنصرة يوم بدر .

قوله تعالى : { وأنتم أذلة } . جمع : ذليل ، وأراد به قلة العدد فإنهم كانوا ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً ، فنصرهم الله مع قلة عددهم وعددهم .

قوله تعالى : { فاتقوا الله لعلكم تشكرون } .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَلَقَدۡ نَصَرَكُمُ ٱللَّهُ بِبَدۡرٖ وَأَنتُمۡ أَذِلَّةٞۖ فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ لَعَلَّكُمۡ تَشۡكُرُونَ} (123)

وهذا امتنان منه على عباده المؤمنين ، وتذكير لهم بما نصرهم به يوم بدر وهم أذلة في قلة عَددهم وعُددهم مع كثرة عدد عدوهم وعُددهم ، وكانت وقعة بدر في السنة الثانية من الهجرة ، خرج النبي صلى الله عليه وسلم من المدينة بثلاث مئة وبضعة عشر من أصحابه ، ولم يكن معهم إلا سبعون بعيرا وفرسان لطلب عير لقريش قدمت من الشام ، فسمع به المشركون فتجهزوا من مكة لفكاك عيرهم ، وخرجوا في زهاء ألف مقاتل مع العدة الكاملة والسلاح العام والخيل الكثيرة ، فالتقوا همم والمسلمون في ماء يقال له " بدر " بين مكة والمدينة فاقتتلوا ، ونصر الله المسلمين نصرا عظيما ، فقتلوا من المشركين سبعين قتيلا من صناديد المشركين وشجعانهم ، وأسروا سبعين ، واحتووا على معسكرهم ستأتي - إن شاء الله - القصة في سورة الأنفال ، فإن ذلك موضعها ، ولكن الله تعالى هنا أتى بها ليتذكر بها المؤمنون ليتقوا ربهم ويشكروه ، فلهذا قال { فاتقوا الله لعلكم تشكرون } لأن من اتقى ربه فقد شكره ، ومن ترك التقوى فلم يشكره ،

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَلَقَدۡ نَصَرَكُمُ ٱللَّهُ بِبَدۡرٖ وَأَنتُمۡ أَذِلَّةٞۖ فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ لَعَلَّكُمۡ تَشۡكُرُونَ} (123)

121

هكذا يبدأ الحديث عن المعركة التي لم ينتصر فيها المسلمون - وقد كادوا - وهي قد بدأت بتغليب الاعتبارات الشخصية على العقيدة عند المنافق عبد الله بن أبي ؛ وتابعه في حركته أتباعه الذين غلبوا اعتباره الشخصي على عقيدتهم . وبالضعف الذي كاد يدرك طائفتين صالحتين من المسلمين . ثم انتهت بالمخالفة عن الخطة العسكرية تحت مطارق الطمع في الغنيمة ! فلم تغن النماذج العالية التي تجلت في المعركة ، عن المصير الذي انتهت إليه ، بسبب ذلك الخلل في الصف ، وبسبب ذلك الغبش في التصور . .

وقبل أن يمضي في الاستعراض والتعقيب على أحداث المعركة التي انتهت بالهزيمة ، يذكرهم بالمعركة التي انتهت بالنصر - معركة بدر - لتكون هذه أمام تلك ، مجالا للموازنة وتأمل الأسباب والنتائج ؛ ومعرفة مواطن الضعف ومواطن القوة ، وأسباب النصر وأسباب الهزيمة . ثم - بعد ذلك - ليكون اليقين من أن النصر والهزيمة كليهما قدر من أقدار الله ؛ لحكمة تتحقق من وراء النصر كما تتحقق من وراء الهزيمة سواء . وأن مرد الأمر في النهاية إلى الله على كلا الحالين ، وفي جميع الأحوال :

( ولقد نصركم الله ببدر - وأنتم أذلة - فاتقوا الله لعلكم تشكرون . إذ تقول للمؤمنين : ألن يكفيكم أن يمدكم ربكم بثلاثة آلاف من الملائكة منزلين ؟ بلى إن تصبروا وتتقوا ويأتوكم من فورهم هذا ، يمددكم ربكم بخمسة آلاف من الملائكة مسومين . وما جعله الله إلا بشرى لكم ، ولتطمئن قلوبكم به . وما النصر إلا من عند الله العزيز الحكيم . ليقطع طرفا من الذين كفروا ، أو يكبتهم فينقلبوا خائبين - ليس لك من الأمر شيء - أو يتوب عليهم أو يعذبهم فإنهم ظالمون . ولله ما في السماوات وما في الأرض ، يغفر لمن يشاء ، ويعذب من يشاء والله غفور رحيم ) . .

والنصر في بدر كان فيه رائحة المعجزة - كما أسلفنا - فقد تم بغير أداة من الأدوات المادية المألوفة للنصر . لم تكن الكفتان فيها - بين المؤمنين والمشركين - متوازنتين ولا قريبتين من التوازن . كان المشركون حوالي ألف ، خرجوا نفيرا لاستغاثة أبي سفيان ، لحماية القافلة التي كانت معه ، مزودين بالعدة والعتاد ، والحرص على الأموال ، والحمية للكرامة . وكان المسلمون حوالي ثلاثمائة ، لم يخرجوا لقتال هذه الطائفة ذات الشوكة ، إنما خرجوا لرحلة هينة . لمقابلة القافلة العزلاء وأخذ الطريق عليها ؛ فلم يكن معهم - على قلة العدد - إلا القليل من العدة . وكان وراءهم في المدينة مشركون لا تزال لهم قوتهم ، ومنافقون لهم مكانتهم ، ويهود يتربصون بهم . . وكانوا هم بعد ذلك كله قلة مسلمة في وسط خضم من الكفر والشرك في الجزيرة . ولم تكن قد زالت عنهم بعد صفة أنهم مهاجرون مطاردون من مكة ، وأنصار آووا هؤلاء المهاجرين ولكنهم ما يزالون نبته غير مستقرة في هذه البيئة !

فبهذا كله يذكرهم الله - سبحانه - ويرد ذلك النصر إلى سببه الأول في وسط هذه الظروف :

( ولقد نصركم الله ببدر . وأنتم أذلة . فاتقوا الله لعلكم تشكرون ) . .

إن الله هو الذي نصرهم ؛ ونصرهم لحكمة نص عليها في مجموعة هذه الآيات . وهم لا ناصر لهم من أنفسهم ولا من سواهم . فإذا اتقوا وخافوا فليتقوا وليخافوا الله ، الذي يملك النصر والهزيمة ؛ والذي يملك القوة وحده والسلطان . فلعل التقوى أن تقودهم إلى الشكر ؛ وأن تجعله شكرا وافيا لائقا بنعمة الله عليهم على كل حال .

/خ179

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَلَقَدۡ نَصَرَكُمُ ٱللَّهُ بِبَدۡرٖ وَأَنتُمۡ أَذِلَّةٞۖ فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ لَعَلَّكُمۡ تَشۡكُرُونَ} (123)

إذ قد كانت وقعة أحُد لم تنكشف عن نصر المسلمين ، عَقَّب الله ذكرها بأن ذكَّرهم الله تعالى نَصره إيّاهم النصر الَّذي قدّره لهم يوم بدر ، وهو نصر عظيم إذ كان نصرَ فئة قليلةٍ على جيش كثير ، ذي عُدد وافرة ، وكان قتلى المشركين يومئذ سادةَ قريش ، وأيمّة الشرك ، وحسبك بأبي جهل بن هشام ، ولذلك قال تعالى : { وأنتم أذلة } أي ضعفاء . والذلّ ضد العزّ فهو الوهن والضعف . وهذا تعريض بأنّ انهزام يوم أحُد لا يفلّ حدّة المسلمين لأنّهم صاروا أعزّة . والحرب سجال .

وقوله : { فاتقوا الله لعلكم تشكرون } اعتراض بين جملة { ولقد نصركم الله ببدر } ومتعلّق فعلها أعني { إذ تقول للمؤمنين } . والفاء للتفريع والفاء تقع في الجملة المعترضة على الأصحّ ، خلافاً لمن منع ذلك من النحويين . . فإنَّه لمّا ذكّرهم بتلك المنّة العظيمة ذكّرهم بأنَّها سبب للشكر فأمرهم بالشكر بملازمة التَّقوى تأدّباً بنسبة قوله تعالى : { لئن شكرتم لأزيدنكم } [ إبراهيم : 70 ] .

ومن الشكر على ذلك النَّصر أن يثبتوا في قتال العدو ، وامتثالُ أمر النَّبيء صلى الله عليه وسلم وأن لا تَفُلّ حدّتَهم هزيمة يوم أحُد .