تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير  
{وَلَقَدۡ نَصَرَكُمُ ٱللَّهُ بِبَدۡرٖ وَأَنتُمۡ أَذِلَّةٞۖ فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ لَعَلَّكُمۡ تَشۡكُرُونَ} (123)

وقوله : { وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ } أي : يوم بدر ، وكان في جمعة{[5627]} وافق السابع عشر من رمضان ، من سنة اثنتين{[5628]} من الهجرة ، وهو يوم الفرقان الذي أعز الله فيه الإسلام وأهله ، ودمغَ فيه الشرك وخرَّب محِله ، [ هذا ]{[5629]} مع قلة عدد المسلمين يومئذ ، فإنهم كانوا ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلا فيهم فرسان وسبعُون بعِيرا ، والباقون مُشاة ، ليس معهم من العَدَد جميع ما يحتاجون إليه ، وكان العدو يومئذ ما بين التسعمائة إلى الألف في سوابغ الحديد والبَيض ، والعدة{[5630]} الكاملة والخيول المسومة والحلي{[5631]} الزائد ، فأعز الله رسوله ، وأظهر وحيه وتنزيله ، وبَيَّضَ وَجْه النبي وقبيله ، وأخْزى الشيطان{[5632]} وجيله ولهذا قال تعالى - مُمْتَنا على عباده المؤمنين وحِزبه المتقين : { وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ } أي : قليل عددكم ليعلموا{[5633]} أن النصر إنما هو من عند الله ، لا بكثرة العَدَد والعُدَد ؛ ولهذا قال في الآية الأخرى : { وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا [ وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الأرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ . ثُمَّ أَنزلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنزلَ جُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا وَعَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ . ثُمَّ يَتُوبُ اللَّهُ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ عَلَى مَنْ يَشَاءُ ]{[5634]} وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ } [ التوبة : 25 - 27 ] .

وقال الإمام أحمد : حدثنا محمد بن جَعْفَر ، حدثنا شُعْبَة ، عن سِمَاك قال : سمعت عِياضا الأشعري قال : شهدتُ الْيَرْمُوك وعلينا خمسة أمراء : أبو عبيدة ، ويزيد بن أبي سفيان ، وابن حَسَنَة ، وخالد بن الوليد ، وعياض - وليس عياض هذا{[5635]} الذي حدث سماكا - قال : وقال عمر ، رضي الله عنه : إذا كان قتال فعليكم أبو عبيدة . قال : فكتبنا إليه{[5636]} إنه قد جاش إلينا الموت ، واستمددناه ، فكتب إلينا : إنه قد جاءني كتابكم تَسْتَمِدُّونَنِي{[5637]} وإني أدلكم على من هو أعز نصرًا ، وأحصن جندًا : الله عز وجل ، فاستنصروه ، فإن محمدًا صلى الله عليه وسلم قد نُصر يومَ بدر في أقل من عدتكم ، فإذا جاءكم كتابي فقاتلوهم ولا تراجعوني . قال{[5638]} فقاتلناهم فهزمناهم أربعة{[5639]} فراسخ ، قال : وأصبنا أموالا فتشاورنا ، فأشار علينا عياض أنْ نُعْطِيَ عن كل ذي رأس عشرة . قال : وقال أبو عبيدة : من يراهنني ؟ فقال شاب : أنا ، إن لم تَغْضَبْ . قال : فسبقه ، فرأيت عَقِيصَتَيْ أبي عُبَيدة تَنْقزان وهو خَلْفه على فرس عُرْي{[5640]} .

وهذا إسناد صحيح{[5641]} وقد أخرجه ابن حِبّان في صحيحه من حديث بُنْدَار ، عن غُنْدَر ، بنحوه ، واختاره الحافظ الضياء المقدسي في كتابه .

وبَدْر مَحَلَّة بين مكة والمدينة ، تُعرف ببئرها ، منسوبة إلى رجل حفرها يقال له : " بدر بن النارين " . قال الشعبي : بدر بئر لرجل يسمى بدرًا .

وقوله : { فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ } أي : تقومون بطاعته .


[5627]:في أ، و: "في يوم جمعة".
[5628]:في جـ: "اثنين".
[5629]:زيادة من أ، و.
[5630]:في أ: "والعدد".
[5631]:في جـ، ر: "الخيلاء".
[5632]:في أ، و: "وأحزن الشيطان وخيله".
[5633]:في، و: "لتعلموا".
[5634]:زيادة من جـ، ر، أ، و، وفي الأصل: "إلى".
[5635]:في جـ: "هذا هو الذي".
[5636]:في أ: "له".
[5637]:في ر: "تستمدوني"
[5638]:في أ: "قالت".
[5639]:في جـ، ر: "أربع".
[5640]:في أ، و: "عربي".
[5641]:المسند (1/49) وصحيح ابن حبان (7/131) "الإحسان". وقال الهيثمي في المجمع (6/213): "رجاله رجال الصحيح".