الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي بن ابي طالب - مكي ابن أبي طالب  
{وَلَقَدۡ نَصَرَكُمُ ٱللَّهُ بِبَدۡرٖ وَأَنتُمۡ أَذِلَّةٞۖ فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ لَعَلَّكُمۡ تَشۡكُرُونَ} (123)

قوله : ( وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُم أَذِلَّةٌ . . . ) [ 123 ] .

هذا تذكير( {[10741]} ) من الله لنبيه عليه السلام وللمؤمنين بنصره لهم في بدر ، فالمعنى : فكذلك ينصركم فيما بقي .

فمعنى ( أَذِلَّةٌ ) : قليلون ، فقد نصركم الله وأنتم قليلون فهو إلى نصركم وأنتم كثيرون أقرب ، وكانوا يوم بدر ثلاثمائة وثلاثة عشر ، ويوم أحد ثلاثة آلاف( {[10742]} ) ويوم حنين اثني عشر ألفاً . وكانت بدر في سبع عشرة( {[10743]} ) ليلة خلت من رمضان لثمانية عشر [ شهراً ]( {[10744]} ) من الهجرة بعد تحويل القبلة بشهرين ، كذلك رواه مالك وكانت أحد على رأس واحد( {[10745]} ) وثلاثين شهراً من مقدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة في شوال يوم السبت للنصف من شوال من سنة ثلاث .

قال مالك : فقتل من المهاجرين يوم أحد أربعة ومن الأنصار سبعون .

قال مالك : بلغنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم – يوم أحد كسرت رباعيته وأصيبت وجنته ، وجرح في وجهه وتهشمت البيضة على رأسه وأنه أتى بماء في جحفة فكان يغسل به عنه الدم ، وأحرق له حصير فأتى به( {[10746]} ) فقال النبي صلى الله عليه وسلم : اشتد غضب [ الله ]( {[10747]} ) على قوم أدموا وجه رسوله( {[10748]} ) " فأنزل الله ( لَيْسَ لَكَ مِنَ الاَمْرِ شَيْءٌ ) الآية .

قال أنس : كان يمسح الدم عن وجهه ويقول : " كيف يفلح قوم خضبوا وجه نبيهم ، وهو يدعوهم إلى ربهم " فأنزل ( لَيْسَ لَكَ مِنَ الاَمْرِ شَيْءٌ )( {[10749]} ) .

قال أبو سعيد الخدري : رمى عتبة( {[10750]} ) بن أبي وقاص يومئذ رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ]( {[10751]} ) فكسرت رباعيته اليمنى وجرح شفته السفلى ، وأن عبد الله بن شهاب( {[10752]} ) شجه في جبهته ، وأن ابن قميئة( {[10753]} ) جرح وجنته ، ودخلت( {[10754]} ) حلقتان من حلق المغفر( {[10755]} ) في وجنته ، ووقع رسول الله صلى الله عليه وسلم في حفرة من الحفر التي عمل أبو عامر( {[10756]} ) ليقع فيها المسلمون وهم لا يعلمون ، وأخذ علي بن أبي طالب بيده ورفعه طلحة حتى استوى قائماً ، ومص مالك بن سنان( {[10757]} ) ، ابو أبي سعيد الخدري الدم عن( {[10758]} ) وجهه ثم ازدرده ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " من مس دمه دمي لا تصيبه النار " ( {[10759]} ) .

وسمي الموضع بدراً لأنه كان لرجل يسمى بدراً ، فسمي الموضع باسم صاحبه . وقيل : كان هناك بير يسمى صاحبه بدراً ، فسمي الموضع باسم صاحب البير ، وقيل هو اسم للموضع وهي قرية بين المدينة والجار( {[10760]} ) ، وهو أول قتال قاتله النبي عليه السلام( {[10761]} ) ، اجتمع فيه مع المشركين على غير تواعد .

وقوله : ( فَاتَّقُوا اللَّهَ ) أي : قد كنتم قليلين فنصرتم بلزومكم الطاعة ، وقد نزل بكم ما نزل يوم أحد وأنتم كثرة ، وذلك لمخالفتكم لأمر نبيكم صلى الله عليه وسلم وهو ما فعل الرماة جعل الله عز وجل ما أصيب من المشركين يوم أحد عقوبة لما فعل الرماة ، إذ عهد إليهم النبي عليه السلام ألا يبرحوا من مكانهم فمضوا للنهب وظنوا أن المشركين قد فرغ منهم ، وقد كان قال لهم النبي عليه السلام : " لا تبرحوا ، فلن يزال النصر لنا ما ثبتم في مكانكم " . فلما رأوا المشركين قد انهزموا اطمأنوا وزالوا من مكانكم طمعاً في النهب فرجعت الهزيمة على المسلمين ، فأصيب خلق كثير كل ذلك بذنوب الرماة ومخالفتهم ما أمر به نبيهم صلى الله عليه وسلم فذلك قوله : ( فَاتَّقُوا اللَّهَ ) أي : لا تعصوا النبي صلى الله عليه وسلم في أمره لكم( {[10762]} ) .


[10741]:- (ج): نذير.
[10742]:- (د): سبعمائة، ثلاثة آلاف وهو خطأ أيضاً والثابت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج إلى أحد في ألف رجل من أصحابه وكان المشركون في ثلاثة آلاف. سيرة ابن إسحاق 326 وانظر: سيرة ابن هشام 2/63 والدر المنثور 2/301. ولكن لما رجع المنافقون، بقي المسلمون سبعمائة. [المدقق].
[10743]:- (أ) و(ج): سبع عشر ليلة.
[10744]:- ساقط من (أ) (ج).
[10745]:- (ج): إحدى.
[10746]:- (ب): فأتى فمشى به، والتعبير غير جيد، وفي صحيح البخاري –كتاب المغازي باب غزوة أحد 5/38 أن فاطمة حين لم ينقطع الدم بعد الغسل أخذت قطعة من حصير فأحرقتها وألصقتها فاستمسك الدم.
[10747]:- ساقط من (أ).
[10748]:- أخرجه البخاري في كتاب المغازي باب (لَيْسَ لَكَ مِنَ الاَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمُ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ) في ترجمة الباب، قال حميد وثابت عن أنس: شج النبي صلى الله عليه وسلم في أُحد فقال: كيف يفلح قوم شجوا نبيهم، فنزلت ليس لك من الأمر.. وأخرجه مسلم في الجهاد والسير (1791) [المدقق]. 5/37-38، والترمذي في أبواب التفسير 4/295.
[10749]:- انظر: سيرة ابن هشام 2/89، والبخاري في كتاب الجهاد 5/179 وابن ماجه في كتاب الفتن 2/1338.
[10750]:- عتبة بن أبي وقاص أحد مشركي قريش أصيب منه النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة أحد. انظر: سيرة ابن إسحاق 328 وكتاب المغازي 1/245.
[10751]:- ساقط من (ب) (د).
[10752]:- عبد الله بن شهاب أحد مشركي قريش سعى إلى إيذاء الرسول صلى الله عليه وسلم قتل يوم أحد بسهم. سيرة ابن إسحاق 326 وانظر: سيرة ابن هشام 2/80.
[10753]:- عبد الله بن هشام بن قميئة أبدلت الهمزة ياء للتخفيف –أحد مشركي قريش قتل مصعب بن عمير. انظر: كتاب المغازي 1/245، وانظر: سيرة ابن هشام 2/72_82.
[10754]:- (ج): دخل.
[10755]:- (د): النمل. والمِغفَر بكسر الميم وفتح الفاء شبيه بحلق الدرع يجعل على الرأس يتقى به الحرب. انظر: اللسان (غفر) 5/26.
[10756]:- أبو عامر ويكنى الراهب وسماء الرسول الفاسق ادعى قتل الرسول صلى الله عليه وسلم. انظر: سيرة ابن إسحاق 327 وابن هشام 2/80.
[10757]:- مالك بن سنان أبو أبي سعيد الخدري هو والد أبي سعيد قتل يوم أُحد وقد خالط دمه دم الرسول صلى الله عليه وسلم. طبقات ابن سعد 2/42.
[10758]:- (د): الدم على وجهه.
[10759]:- انظر: كتاب المغازي 1/247.
[10760]:- الجار: مدينة بالحجاز على ساحل البحر مما يلي المدينة. انظر: معجم البلدان 1/92 والروض المعطار 153.
[10761]:- (ج): صلى الله عليه وسلم.
[10762]:- انظر: سيرة ابن إسحاق 325، وكتاب المغازي 1/274 وابن هشام 2/77.