البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{وَلَقَدۡ نَصَرَكُمُ ٱللَّهُ بِبَدۡرٖ وَأَنتُمۡ أَذِلَّةٞۖ فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ لَعَلَّكُمۡ تَشۡكُرُونَ} (123)

بدر في الآية : اسم علم لما بين مكة والمدينة .

سمي بذلك لصفائه ، أو لرؤية البدر فيه لصفائه ، أو لاستدارته .

قيل : وسمي باسم صاحبه بدر بن كلدة .

قيل : بدر بن بجيل بن النضر بن كنانة .

وقيل : هو بئر لغفار .

وقيل : هو اسم وادي الصفراء .

وقيل : اسم قرية بين المدينة والحجاز .

{ ولقد نصركم الله ببدر وأنتم أذلة } لمّا أمرهم بالتوكل عليه ذكّرهم بما يوجب التوكل عليه ، وهو ما سنى لهم ويسر من الفتح والنصر يوم بدر ، وهم في حال قلة وذلة ، إذ كان ذلك النصر ثمرة التوكل عليه والثقة به .

والنصر المشار إليه ببدر بالملائكة ، أو بإلقاء الرعب ، أو بكف الحصى التي رمى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أو بإرادة الله لقوله : { وما النصر إلا من عند الله } أقوال .

والجملة من قوله : وأنتم أذلة حال من المفعول في نصركم ، والمعنى : وأنتم أذلة في أعين غيركم ، إذ كانوا أعزة في أنفسهم ، وكانوا بالنسبة إلى عدوهم ، وجميع الكفار في أقطار الأرض عند المتأمل مغلوبين .

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « اللهم إن تهلك هذه العصابة لم تعبد »

والأذلة : جمع ذليل .

وجمع الكثرة ذلان ، فجاء على جمع القلة ليدل أنهم كانوا قليلين .

والذلة التي ظهرت لغيرهم عليهم هي ما كانوا عليه من الضعف وقلة السلاح والمال والمركوب .

خرجوا على النواضح يعتقب النفر على البعير الواحد ، وما كان معهم من الخيل إلا فرس واحد ، ومع عدوهم مائة فرس .

وكان عدد المسلمين ثلاثمائة رجل وثلاثة عشر رجلاً : سبعة وسبعون من المهاجرين وصاحب رايتهم علي بن أبي طالب ، ومائتان وستة وثلاثون من الأنصار وصاحب رايتهم سعد بن عبادة .

وقيل : ثلاثمائة وستة عشر رجلاً .

وقيل : ثلاثمائة وأربعة عشر رجلاً .

وفي رواية : ثلاثمائة وبضعة عشر رجلاً .

وكان عدوهم في حال كثرة زهاء ألف مقاتل .

وما أحسن قول الشاعر :

وقائلة ما بال أسوة عاديا *** تفانت وفيها قلة وخمول

تعيرنا أنا قليل عديدنا *** فقلت لها إن الكرام قليل

وما ضرنا أنا قليل وجارنا *** عزيز وجار الأكثرين ذليل

والنصر ببدر هو المشهور الذي قتل فيه صناديد قريش ، وعلى يوم بدر انبنى الإسلام .

وكان يوم الجمعة السابع عشر من رمضان لثمانية عشر شهراً من الهجرة .

{ فاتقوا الله لعلكم تشكرون } أمر بالتقوى مطلقاً .

وقيل : في الثبات مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وترجيه الشكر إمّا على الإنعام السابق بالنصر يوم بدر ، أو على الإنعام المرجو أنْ يقع .

فكأنه قيل : لعلكم ينعم عليكم نعمة أخرى فتشكرونها .

وضع الشكر موضع الإنعام لأنه سبب له .

/خ132