معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{وَضَرَبَ لَنَا مَثَلٗا وَنَسِيَ خَلۡقَهُۥۖ قَالَ مَن يُحۡيِ ٱلۡعِظَٰمَ وَهِيَ رَمِيمٞ} (78)

77

قوله تعالى :{ وضرب لنا مثلاً ونسي خلقه } بدأ أمره ، ثم { قال من يحيي العظام وهي رميم } بالية ، ولم يقل رميمة ، لأنه معدول عن فاعلة ، وكل ما كان معدولاً عن وجهه ووزنه كان مصروفاً عن أخواته ، كقوله : { وما كانت أمك بغياً } أسقط الهاء لأنها كانت مصروفة عن باغية .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَضَرَبَ لَنَا مَثَلٗا وَنَسِيَ خَلۡقَهُۥۖ قَالَ مَن يُحۡيِ ٱلۡعِظَٰمَ وَهِيَ رَمِيمٞ} (78)

{ وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا } لا ينبغي لأحد أن يضربه ، وهو قياس قدرة الخالق بقدرة المخلوق ، وأن الأمر المستبعد على قدرة المخلوق مستبعد على قدرة الخالق . فسر هذا المثل [ بقوله ] : { قَالَ } ذلك الإنسان { مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ } أي : هل أحد يحييها ؟ استفهام إنكار ، أي : لا أحد يحييها بعد ما بليت وتلاشت .

هذا وجه الشبهة والمثل ، وهو أن هذا أمر في غاية البعد على ما يعهد من قدرة البشر ، وهذا القول الذي صدر من هذا الإنسان غفلة منه ، ونسيان لابتداء خلقه ، فلو فطن لخلقه بعد أن لم يكن شيئا مذكورا فوجد عيانا ، لم يضرب هذا المثل .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَضَرَبَ لَنَا مَثَلٗا وَنَسِيَ خَلۡقَهُۥۖ قَالَ مَن يُحۡيِ ٱلۡعِظَٰمَ وَهِيَ رَمِيمٞ} (78)

( وضرب لنا مثلاً - ونسي خلقه - قال : من يحيي العظام وهي رميم . قل : يحييها الذي أنشأها أول مرة وهو بكل خلق عليم ) . .

يا للبساطة ! ويا لمنطق الفطرة ! ومنطق الواقع القريب المنظور !

وهل تزيد النطفة حيوية أو قدرة أو قيمة على العظم الرميم المفتوت ? أو ليس من تلك النطفة كان الإنسان ? أو ليست هذه هي النشأة الأولى ? أو ليس الذي حول تلك النطفة إنساناً ، وجعله خصيماً مبيناً بقادر على أن يحول العظم الرميم مخلوقاً حياً جديداً ?

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَضَرَبَ لَنَا مَثَلٗا وَنَسِيَ خَلۡقَهُۥۖ قَالَ مَن يُحۡيِ ٱلۡعِظَٰمَ وَهِيَ رَمِيمٞ} (78)

وضرب المثل : إيجاده ، كما يقال : ضَرب خيمة ، وضَرب ديناراً ، وتقدم بيانه عند قوله تعالى : { إن اللَّه لا يستحيي أن يضرب مثلاً ما } في سورة البقرة } ( 26 ) .

والمَثل : تمثيل الحالة ، فالمعنى : وأظهر للناس وأتى لهم بتشبيه حال قدرتنا بحال عجز الناس إذ أحال إحياءنا العظام بعد أن أرَمَّت فهو كقوله تعالى : { فلا تضربوا للَّه الأمثال } [ النحل : 74 ] ، أي لا تُشَبِّهوه بخلقه فتجعلوا له شركاء لوقوعه بعد { ويعبدون من دون اللَّه ما لا يملك لهم رزقاً من السماوات والأرض شيئا } [ النحل : 73 ] .

والاستفهام في قوله : { من يحي العظام } إنكاري . و { من } عامة في كل من يسند إليه الخبر . فالمعنى : لا أحد يحيي العظام وهي رميم . فشمل عمومه إنكارهم أن يكون الله تعالى محيياً للعظام وهي رميم ، أي في حال كونها رميماً .

وجملة { قال مَن يُحي العِظامَ } بيان لجملة { ضرب لنا مثلاً } كقوله تعالى : { فوسوس إليه الشيطان قال يا آدم } [ طه : 120 ] الآية ، فجملة { قال يا آدم بيان لجملة وسوس .

والنسيان في قوله : { ونَسِيَ خلقه } مستعار لانتفاء العلم من أصله ، أي لعدم الاهتداء إلى كيفية الخلق الأول ، أي نسي أننا خلقناه من نطفة ، أي لم يهتد إلى أن ذلك أعجب من إعادة عظمه كقوله تعالى : { أفعيينا بالخلق الأول بل هم في لَبْس من خلق جديد } [ ق : 15 ] .

وذكر النطفة هنا تمهيد للمفاجأة بكونه خصيماً مبيناً عقب خلقه ، أي ذلك الهيِّنُ المنشأ قد أصبح خصيماً عنيداً ، وليبني عليه قوله بعد : { ونَسِيَ خَلْقَهُ } أي نسي خلقه الضعيف فتطاول وجاوز ، ولأن خلقه من النطفة أعجب من إحيائه وهو عَظْم مجاراة لزعمه في مقدار الإِمكان ، وإن كان الله يحيي ما هو أضعف من العظام فيحيي الإِنسان من رَماده ، ومن ترابه ، ومن عَجْب ذَنَبه ، ومن لا شيء باقياً منه .

والرميم : البالي ، يقال : رَمَّ العظمُ وأَرَمَّ ، إذا بَلِي فهو فعيل بمعنى المصدر ، يقال : رمّ العظمُ رميماً ، فهو خبر بالمصدر ، ولذلك لم يطابق المخبر عنه في الجمعية وهي بِلىً .