فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{وَضَرَبَ لَنَا مَثَلٗا وَنَسِيَ خَلۡقَهُۥۖ قَالَ مَن يُحۡيِ ٱلۡعِظَٰمَ وَهِيَ رَمِيمٞ} (78)

{ وَضَرَبَ لَنَا مَثَلا } بفته العظم والجملة معطوفة على الجملة المنفية داخلة في حيز الإنكار المفهوم من الاستفهام ، فهي تكميل للتعجيب من حال الإنسان ، وبيان جهله بالحقائق ، وإهماله للتفكر في نفسه فضلا عن التفكر في سائر مخلوقات الله .

ويجوز أن تكون جملة : { فإذا هو خصيم مبين } معطوفة على خلقنا ، وهذه معطوفة عليها ، أي أورد في شأننا قصة عجيبة في نفس الأمر كالمثل في الغرابة ، وهي إنكاره إحياءنا للعظام ، أو قصة عجيبة في زعمه واستبعدها وعدها من قبيل المثل ، وأنكرها أشد الإنكار ، وهي إحياؤنا إياها ، أو جعل لنا مثلا ونظيرا من الخلق ، وقاس قدرتنا على قدرتهم ، ونفى الكل على العموم فالمثل على الأول هو إنكار إحيائه للعظام ، وعلى الثاني هو إحياؤه لها ، وأما على الثالث فلا فرق بين أن يكون المثل هو الإنكار أو المنكر .

{ وَنَسِيَ خَلْقَه } أي خلقناه إياه من المني الدال على بطلان ما ضربه من المثل وذهل عنه ، وترك ذكره على طريقة اللداد والمكابرة ، فهو أغرب من إحياء العظم .

{ قَالَ : مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ } بالية استئناف جوابا عن سؤال مقدر كأنه قيل : ما هذا المثل الذي ضربه ؟ فقيل : قال من يحيي العظام وهي رميم ؟ وهذا الاستفهام للإنكار لأنه قاس قدرة الله على قدرة العبد فأنكر أن الله يحيي العظام البالية حيث لم يكن ذلك في مقدور البشر . يقال : رم العظم يرم رما إذا بلي ، فهو رميم ورمام ، وإنما قال : رميم ولم يقل : رميمة مع كونه خبرا للمؤنث لأنه اسم لما بلي من العظام غير صفة ، كالرمة والرفات ، وقيل : لكونه معدولا عن فاعله ، وكل معدول عن وجهه يكون مصروفا عن إعرابه كما في قوله : { وما كانت أمك بغيا } لأنه مصروف عن باغية . كذا قال البغوي والقرطبي ، وقال بالأول صاحب الكشاف .

والأولى أن يقال : إنه فعيل بمعنى فاعل . من رم الشيء صار اسما بالغلبة أو مفعول ، وهو يستوي فيه المذكر والمؤنث كما قيل في جريح وصبور .

ومن يثبت الحياة في العظام ويقول : إن عظام الميتة نجسة لأن الموت يؤثر فيها من قبل أن الحياة تحلها يتشبت بهذه الآية ، وهي عند الحنفية طاهرة ، وكذا الشعر والعصب لأن الحياة لا تحلها فلا يؤثر فيها الموت .

والمراد بإحياء العظام في الآية ردها إلى ما كانت عليه غضة رطبة في بدن حي حساس ، وقد استدل أبو حنيفة وبعض أصحاب الشافعي بهذه الآية على أن العظام مما تحله الحياة ، وقال الشافعي : لا تحلها الحياة ، وأن المراد بقوله : من يحيي العظام ؟ من يحيي أصحاب العظام على تقدير مضاف محذوف ، ورد بأن هذا التقدير خلاف الظاهر ،