الآية 78 وقوله تعالى : { وضرب لنا مثلا ونسي خلقه } لما ذكر من ضرب المثل له { قال من يحي العظام وهي رميم } وقوله تعالى : { ونسي خلقه } [ فيه وجهان :
أحدهما ]{[17570]} : أي غفل عن القدرة في خلق نفسه ، ما لو نظر ، وتفكر ، لعرف أنه قادر على الإعادة .
والثاني{[17571]} : غفل عن الحكمة في ابتداء خلقه نفسه . ثم يخرّج هذا على وجوه :
أحدها : أنه نظر ، وتفكّر في خلق{[17572]} نفسه أنه خُلق من نطفة ، ثم حولت النطفة علقة ، وحولت العلقة مضغة ، وحولت المضغة خلقا وإنسانا تاما متقنا ، ثم صُيّر بحيث يأخذ في النقصان بعد ما كان تاما .
ثم من فعل هذا في الشاهد أن يُحكم الشيء ، ويتقنه ، ويتمّمه ، ثم يهدمه بلا عاقبة ، يقصدها{[17573]} ، كان غير حكيم .
فعلى ذلك كان ما أحكم الله من الخلق ، وأتقنه ، وتمّمه ، ثم جعل ينقص منه ، ويوهنه . فلو لم يكن أعاده{[17574]} ، وخلقه ثانيا ، كان خارجا عن الحكمة ، ولو نظر في ابتداء خلق نفسه لعرف أن الله يعيده ، وينشئه ثانيا .
والثاني : لو نظر ، وتفكر في ابتداء خلق نفسه أنه كيف دبّره في تلك الظلمات الثلاث ، وقدّره على أحسن تقدير في ذلك ، فلو نظر ، وتفكر أن من قدر على تدبيره وتقديره في الظلمات الثلاث على ما دبّره ، وقدّره ، قادر على إعادته ، وهو كقوله : { وهو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده وهو أهون عليه } [ الروم : 27 ] أي هو أهون في عقولكم وتقديركم ، أهون من ابتدائه .
فإذا قدر على الابتداء فهو على الإعادة أقدر وأملك ، إن ذلك في عقولكم أهون وأيسر ، وإلا ليس في وصف الله تعالى أن شيئا أهون عليه من شيء ، بل الأشياء كلها تحت قوله : { كن فيكون } [ البقرة : 117 و . . ] من غير أن كان منه كاف أو نون أو شيء من ذلك . لكنه عبّر به لأنه أخف الحروف{[17575]} على الألسن وأيسرها{[17576]} ، وأقصر كلام ، وأوجزه ، يؤدى به المعنى ، ويفهم منه المراد .
والثالث : أنه خلق هذه الأشياء والجواهر كلها سوى البشر للبشر ولمنافعهم . فلو لم يكن بعث ولا نشأة أخرى كان خلق هذه الأشياء لهم عبثا باطلا .
ويكون قوله : { ونسي خلقه } أي غفل عن بدء خلقه ، إذ بدء خلقه إما أن كان من ماء [ وإما من ]{[17577]} تراب . فعلى ذلك إذا أفناه يصير ماء أو ترابا ، فيعيده منه على ما أنشأه منه بدءا .
ثم في قوله تعالى : { وضرب لنا مثلا ونسي خلقه قال من يحيي العظام وهي رميم } .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.