اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{وَضَرَبَ لَنَا مَثَلٗا وَنَسِيَ خَلۡقَهُۥۖ قَالَ مَن يُحۡيِ ٱلۡعِظَٰمَ وَهِيَ رَمِيمٞ} (78)

قوله ( تعالى ){[46631]} : { وَضَرَبَ لَنَا مَثَلاً وَنَسِيَ خَلْقَهُ } قرأ زيد بن علي : «ونَسِيَ خَالِقَهُ » بزنة اسم الفاعل{[46632]} .

فصل

المعنى : «ونَسِيَ خلقه » أي بَدْءَ أمره{[46633]} { قَالَ مَن يُحيِي العظام وَهِيَ رَمِيمٌ } قيل : فَعِيلٌ بمعنى فاعلٍ{[46634]} ، وقيل : مفعول{[46635]} فعلى الأول عدم التاء غير مقيس{[46636]} . وقال الزمخشري : الرَّميم اسم لما بَلِيَ من العظام غير صفة كالرّمَة والرفات فلا يقال : لم لم يؤنث وقد وقع خبراً لمؤنث ولا هو فعيل بمعنى فاعل أو مفعول{[46637]} وقال البغوي ولم يقل : رميمة لأنه معدول من فاعله فكل ما كان معدولاً عن وجهه ووزنه كان مصروفاً عن إعرابه{[46638]} كقوله : { وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيّاً } [ مريم : 28 ] أسقط الهاء لأنها مصروفة عن «باغية » .

فصل

هذه الآية وما بعدها إشارة إلى بيان الحشر ، واعلم أن المنكرين للحشر منهم من لم يذكر فيه دليلاً ولا شبهة بل اكتفى بمجرد الاستبعاد وهم الأكثرون كقولهم :

{ وقالوا أَإِذَا ضَلَلْنَا فِي الأرض أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ } [ السجدة : 10 ] { أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَاباً وَعِظَاماً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ } [ المؤمنين : 82 ] { قَالَ مَن يُحيِي العظام وَهِيَ رَمِيمٌ } على طريق الاستبعاد ، فأبطل استبعادهم بقوله : { نَسِيَ خَلْقَهُ } أي نسي أنا خلقناه من تراب ومن نطفة{[46639]} متشابهة ( الأجزاء ){[46640]} ، ثم جعلنا لهم من النَّواصِيَ إلى الأقدام أعضاء مختلفة الصّورة{[46641]} ، وما اكتفينا بذلك حتى أودعناهم ما ليس من قبيل هذه الأجرام وهو النطق والعقل اللذي ( ن ){[46642]} بهما استحقوا الإكرام فإن كانوا يقنعون{[46643]} بمجرد الاستبعاد فهلا يستبعدون خلق الناطق العاقل من نطفة قذرة لم تكن مَحَلاًّ للحياة أصلاً ويستبعدون إعادة النطق والعقل إلى محل كانا فيه . واخْتَارُوا العَظْم بالذكر لأنه أبعد عن الحياة{[46644]} لعدم الإحساس فيه ووصفوه بما يقوي جانب الاستبعاد من البِلَى والتّفَتّت . والله تعالى دفع استبعادهم من جهة ما في العبد من القدرة والعلم فقال : { وَضَرَبَ لَنَا مَثَلاً } أي جعل قدرتنا كقدرتهم «ونسيَ خَلْقَهُ » العجيب وبدأه الغريب .


[46631]:سقط من أ الأصل.
[46632]:وهو الله –عزت جلالته- أوردها أبو حيان في بحره 7/348 وهي قراءة ابن السميقع أيضا. انظر: شواذ القرآن 204 والدر المصون 4/534.
[46633]:قاله البغوي 6/17.
[46634]:وهو قول القرطبي في الجامع 15/58 والبغوي في معالم التنزيل 6/17 ونقله السمين في الدر المصون 4/534 وهو أحد قولي أبي البقاء في التبيان 1086.
[46635]:الوجه الآخر من قول العكبري انظر: المرجع السابق.
[46636]:انظر: التبيان 98 و 99.
[46637]:الكشاف 3/331. فجعله اسما.
[46638]:البغوي 6/17 وفيه أخواته بدل إعرابه وانظر: القرطبي 15/58.
[46639]:في ب خلقه وانظر: الرازي 26/108 و 109.
[46640]:سقط من ب.
[46641]:في ب والرازي الصور جمعا.
[46642]:زيادة على النسختين والرازي.
[46643]:كذا في الرازي وفي ب. وما في أ يضعون.
[46644]:كذا هنا في أ وفي الرازي وما في ب: من.