غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{وَضَرَبَ لَنَا مَثَلٗا وَنَسِيَ خَلۡقَهُۥۖ قَالَ مَن يُحۡيِ ٱلۡعِظَٰمَ وَهِيَ رَمِيمٞ} (78)

45

وأخذ عظماً بالياً فجعل يفتته بيده ويقول : يا محمد أترى الله يحيي هذا بعد ما قد رمّ ؟ فقال صلى الله عليه وسلم : نعم ويبعثك ويدخلك جهنم . قال أهل البيان : سمى قولهم { من يحيي العظام وهي رميم } مثلاً لأن إنكار قدرة الله تعالى على إحياء الموتى قصة عجيبة . وفيه تشبيه الخالق القادر العليم بالمخلوق العاجز عن خلق أدنى بعوضة الجاهل بما يجري عليه من الأحوال . والرميم اسم لما بلي من العظام كالرمة والرفات ولا يبعد أن يكون صفة . ولم تؤنث بتقدير موصوف محذوف أي شيء رميم ، أو لأنه بمعنى فاعل كقوله { إن رحمة الله قريب } [ الأعراف : 56 ] وفي الآية دليل ظاهر على أن عظام الميتة نجسة لأن الموت والحياة يتعاقبان عليها . وقال أصحاب أبي حنيفة : إنها ظاهرة وإن الحياة لا تحل فيها فلا يتصور موتها ، وكذا الشعر والعصب . وتأوّلوا الآية بأن المراد بإحياء العظام ردّها على ما كانت عليه غضة طرية في بدن حيّ حساس . واعلم أن المنكرين للحشر منهم من اكتفى في إنكاره بمجرد الاستبعاد كقوله { من يحيي العظام وهي رميم } فأزال استبعادهم بتصوير الخلق الأول فإن الذي قدر على جعل النطفة المتشابهة الأجزاء إنساناً مختلف الأبعاض والأعضاء ، مودعاً فيه الفهم والعقل وسائر أسباب المزية والفضل ، فهو على إعادتها أقدر . ومنهم من ذكر شبهة وهي كقولهم : إن الإنسان بعد العدم لم يبق شيئاً فكيف يصح إعادة المعدوم عقلاً ؟ أو كقولهم : إن الذي تفرقت أجزاؤه في أبدان السباع وجدران الرباع كيف يجمع ويعاد ؟ أو كقولهم إن إنسانأً إذا نشأ مغتذياً بلحم إنسان آخر فلا بد أن لا يبقى للآكل وللمأكول جزء يمكن إعادته .

/خ83