فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{وَضَرَبَ لَنَا مَثَلٗا وَنَسِيَ خَلۡقَهُۥۖ قَالَ مَن يُحۡيِ ٱلۡعِظَٰمَ وَهِيَ رَمِيمٞ} (78)

وهكذا جملة { وَضَرَبَ لَنَا مَثَلاً وَنَسِىَ خَلْقَهُ } معطوفة على الجملة المنفية داخلة في حيز الإنكار المفهوم من الاستفهام ، فهي تكميل للتعجيب من حال الإنسان ، وبيان جهله بالحقائق ، وإهماله في نفسه فضلاً عن التفكر في سائر مخلوقات الله ، ويجوز أن تكون جملة { فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ } معطوفة على خلقنا ، وهذه معطوفة عليها أي : أورد في شأننا قصة غريبة كالمثل : وهي إنكاره أحياناً للعظام ، ونسي خلقه ، أي خلقنا إياه ، وهذه الجملة معطوفة على ضرب ، أو في محلّ نصب على الحال بتقدير قد .

وجملة { قَالَ مَن يُحييِ العظام وَهِىَ رَمِيمٌ } استئناف جواباً عن سؤال مقدّر كأنه قيل : ما هذا المثل الذي ضربه ؟ فقيل : قال من يحيي العظام ، وهي رميم ، وهذا الاستفهام للإنكار ؛ لأنه قاس قدرة الله على قدرة العبد ، فأنكر أن الله يحيي العظام البالية حيث لم يكن ذلك في مقدور البشر ، يقال : رمّ العظم يرمّ رماً إذا بلي ، فهو رميم ، ورمام ، وإنما قال : { رميم } ، ولم يقل : " رميمة " مع كونه خبراً للمؤنث ؛ لأنه اسم لما بلي من العظام غير صفة كالرمة والرفات . وقيل : لكونه معدولاً عن فاعلة ، وكل معدول عن وجهه يكون مصروفاً عن إعرابه كما في قوله : { وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيّاً } [ مريم : 28 ] ، لأنه مصروف عن باغية ، كذا قال البغوي ، والقرطبي ، وقال بالأوّل صاحب الكشاف . والأولى أن يقال : إنه فعيل بمعنى : فاعل ، أو مفعول ، وهو يستوي فيه المذكر ، والمؤنث كما قيل في جريح وصبور .

/خ83