ثم أراه الله آية أخرى فقال : { وأدخل يدك في جيبك } والجيب حيث جيب من القميص ، أي : قطع ، قال أهل التفسير : كانت عليه مدرعة من صوف لا كم لها ولا أزرار ، فأدخل يده في جيبه وأخرجها ، فإذا هي تبرق مثل البرق ، فذلك قوله : { تخرج بيضاء من غير سوء } من غير برص ، { في تسع آيات } يقول هذه آية من تسع آيات أنت مرسل بهن .
{ وَأَدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ } لا برص ولا نقص ، بل بياض يبهر الناظرين شعاعه . { فِي تِسْعِ آيَاتٍ إِلَى فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ } أي : هاتان الآيتان انقلاب العصا حية تسعى وإخراج اليد من [ ص 602 ] الجيب فتخرج بيضاء في جملة تسع آيات تذهب بها وتدعو فرعون وقومه ، { إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ } فسقوا بشركهم وعتوهم وعلوهم على عباد الله واستكبارهم في الأرض بغير الحق .
فذهب موسى عليه السلام إلى فرعون وملئه ودعاهم إلى الله تعالى وأراهم الآيات .
والآن وقد اطمأن موسى وقر ، يجهزه ربه بالمعجزة الثانية ، قبل أن يكشف له عن جهة الرسالة ووجهة التكليف :
( وأدخل يدك في جيبك تخرج بيضاء من غير سوء ) . .
وكان هذا . وأدخل موسى يده في فتحة ثوبه - وهي جيبه - فخرجت بيضاء مشرقة لا عن مرض ، ولكن عن معجزة . ووعده ربه أن يؤيده بتسع آيات من هذا النوع الذي شاهد منه اثنتين ؛ وكشف له حينئذ عن وجهته التي من أجلها دعاه وجهزه ورعاه !
( في تسع آيات إلى فرعون وقومه . إنهم كانوا قوما فاسقين ) . .
ولم يعدد هنا بقية هذه الآيات التسع ، التي كشف عنها في سورة الأعراف . وهي سنون الجدب ، ونقص الثمرات ، الطوفان ، والجراد ، والقمل ، والضفادع ، والدم . لأن التركيز هنا على قوة الآيات لا على ماهيتها . وعلى وضوحها وجحود القوم لها :
ثم أمر تعالى موسى بأن يدخل يده في جيب جبته لأنها لم يكن لها كم فيما قال ابن عباس ، وقال مجاهد كانت مدرعة صوف إلى بعض يده ، و «الجيب » الفتح في الثوب لرأس الإنسان ، وروي أن يد موسى عليه السلام كانت تخرج تلألأ كأنها قطعة نور ، ومعنى إدخال اليد في الجيب ضم الآية إلى موسى وإظهار تلبسها به لأن المعجزات من شروطها أن يكون لها اتصال بالآتي بها ، وقوله { من غير سوء } أي من غير برص ولا علة وإنما هي آية تجيء وتذهب ، وقوله { في تسع آيات } ، متصل بقوله { ألق } { وأدخل } ، وفي اقتضاب وحذف تقديره نمهد ونسير ذلك لك في جملة تسع آيات ، وهي العصا واليد والطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم والطمسة والحجر ، وفي هذين الأخيرين اختلاف والمعنى تجيء بهن إلى فرعون وقومه .
عطف على قوله : { وألق عصاك } [ النمل : 10 ] وما بينهما اعتراض ، بعد أن أراه آية انقلاب العصا ثعباناً أراه آية أخرى ليطمئن قلبه بالتأييد ، وقد مضى في « طه » التصريح بأنه أراه آية أخرى . والمقصود من ذلك أن يعجل له ما تطمئن له نفسه من تأييد الله تعالى إياه عند لقاء فرعون .
وقوله : { في تسع آيات } حال من { تخرج بيضاء } أي حالة كونها آية من تسع آيات ، و { إلى فرعون } صفة لآيات ، أي آيات مسوقة إلى فرعون . وفي هذا إيذان بكلام محذوف إيجازاً وهو أمر الله موسى بأن يذهب إلى فرعون كما بيّن في سورة الشعراء .
والآيات هي : العصا ، واليَد ، والطوفان ، والجراد ، والقُمَّل ، والضفادع ، والدم ، والقحط ، وانفلاق البحر وهو أعظمها ، وقد عدّ بعضها في سورة الأعراف . وجمعها الفيروزآبادي في بيت ذكره في مادة ( تسع ) من « القاموس » وهو :
عصاً سَنَةٌ بحر جراد وقُمَّل *** يَدٌ ودَمٌ بعدَ الضفادع طُوفان
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.