الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{وَأَدۡخِلۡ يَدَكَ فِي جَيۡبِكَ تَخۡرُجۡ بَيۡضَآءَ مِنۡ غَيۡرِ سُوٓءٖۖ فِي تِسۡعِ ءَايَٰتٍ إِلَىٰ فِرۡعَوۡنَ وَقَوۡمِهِۦٓۚ إِنَّهُمۡ كَانُواْ قَوۡمٗا فَٰسِقِينَ} (12)

قوله : { تَخْرُجْ } : الظاهرُ أنه جوابٌ لقولِه " أَدْخِلْ " أي : إنْ أَدْخَلْتَها تَخْرُجْ على هذه الصفةِ ، وقيل : في الكلامِ حَذْفٌ تقديرُه : وأَدْخِلْ يدَك تَدْخُلْ ، وأَخْرِجْها تَخْرُجْ . فَحَذَفَ من الثاني ما أَثْبَتَه في الأولِ ، ومن الأولِ ما أَثْبته في الثاني . وهذا تقديرُ ما لا حاجةَ إليه .

قوله : { بَيْضَآءَ } حالٌ مِنْ فاعلِ " تَخْرُجْ " . و { مِنْ غَيْرِ سُوءٍ } يجوزُ أَنْ تكونَ حالاً أخْرى ، أو مِن الضميرِ في " بَيْضاء " أو صفةً ل " بَيْضاءَ " .

قوله : { فِي تِسْعِ } فيه أوجهٌ ، أحدُها : أنهُ حالٌ ثالثة . قال أبو البقاء . يعني : مِنْ فاعل يَخْرُجْ " / أي : آيةً في تسعِ آياتٍ . كذا قدَّره ، والثاني : أنها متعلقةٌ بمحذوفٍ أي : اذهَبْ في تسعِ . وقد تَقَدَّم اختيارُ الزمخشري لذلك في أولِ هذه الموضوعِ عند ذِكْر البَسْملةِ ، ونَظَّره بقولِ الآخرِ :

وقُلْتُ إلى الطَعامِ فقالَ منهم *** . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

وقولهم : " بالرَّفاهِ والبنين " ، وجَعَلَ هذا التقديرَ أعربَ وأحسنَ . الثالث : أَنْ يتعلَّقَ بقولِه : " وأَلْقِ عَصاكَ وأَدْخِلْ " . قال الزمخشري : " ويجوزُ أَنْ يكونَ المعنى : وأَلْقِ عَصاكَ وأَدْخِلْ يَدك في تسع آياتٍ أي : في جملةِ تسعِ آياتٍ . ولقائلٍ أَنْ يقولَ : كانَتِ الآياتُ إحدى عشرةَ منها اثنتان : اليدُ والعَصا . والتِّسْعُ : الفَلْقُ والطُّوفانُ والجَرادُ والقُمَّلُ والضفادِعُ والدَّمُ والطَّمْسَةُ والجَدْبُ في بَواديهم ، والنُّقْصانُ في مزارِعهم " انتهى . وعلى هذا تكونُ " في " بمعنى " مع " لأنَّ اليدَ والعَصا حينئذٍ خارِجتان مِن التِّسْع ، وكذا فعلَ ابنُ عطية ، أعني أنه جَعَلَ " في تِسْع " متصلاً ب " أَلْقِ " و " أَدْخِلْ " إلاَّ أنَّه جَعَلَ اليدَ والعَصا مِنْ جملةِ التسعِ . وقال : " تقديرُه نُمَهِّد لكَ ذلك ، ونُيَسِّر في [ جملةِ ] تسعِ " .

وجَعَلَ الزجاجُ أنَّ " في " بمعنى " مِنْ " قال : كما تقول : خُذْ لي من الإِبلِ عشراً فيها فَحْلان أي : منها فَحْلان " .

قولُه : { إِلَى فِرْعَوْنَ } هذا متعلِّقٌ بما تَعَلَّقَ به " في تسعِ " ، إذا لم تَجْعَلْه حالاً ، فإنْ جَعَلْناه حالاً عَلَّقْناه بمحذوفٍ ، فقدَّره أبو البقاء " مُرْسَلاً إلى فرعون " . وفيه نظرٌ ؛ لأنَّه كونٌ مقيدٌ وسبَقَه إلى هذا التقديرِ الزجاجُ ، وكأنهما أرادا تفسيرَ المعنى دونَ الإِعرابِ . وجَوَّزَ أبو البقاء أيضاً أن تكونَ صفةً لآيات ، وقدَّره : " واصلةً إلى فرعونَ " . وفيه ما تقدَّم .