فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{وَأَدۡخِلۡ يَدَكَ فِي جَيۡبِكَ تَخۡرُجۡ بَيۡضَآءَ مِنۡ غَيۡرِ سُوٓءٖۖ فِي تِسۡعِ ءَايَٰتٍ إِلَىٰ فِرۡعَوۡنَ وَقَوۡمِهِۦٓۚ إِنَّهُمۡ كَانُواْ قَوۡمٗا فَٰسِقِينَ} (12)

{ وَأَدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ } المراد بالجيب هو المعروف ، وفي القصص { اسلك يَدَكَ فِي جَيْبِكَ } [ القصص : 32 ] . وفي { أدخل } من المبالغة ما لم يكن في { اسلك } . { تَخْرُجْ بَيْضَاء مِنْ غَيْرِ سُوء } أي من غير برص ، أو نحوه من الآفات ، فهو احتراس . وقوله : { تخْرجُ } جواب { أدخل يدك } . وقيل في الكلام حذف تقديره : أدخل يدك تدخل ، وأخرجها تخرج ، ولا حاجة لهذا الحذف ، ولا ملجأ إليه . قال المفسرون : كانت على موسى مدرعة من صوف لا كمّ لها ولا إزار ، فأدخل يده في جيبه وأخرجها ، فإذا هي تبرق كالبرق ، وقوله : { فِي تِسْعِ آيَاتٍ } قال أبو البقاء : هو في محل نصب على الحال من فاعل تخرج ، وفيه بعد . وقيل : متعلق بمحذوف : أي اذهب في تسع آيات . وقيل متعلق بقوله : { أَلْقِ عَصَاكَ } و { أدخل يدك } في جملة تسع آيات أو مع تسع آيات . وقيل المعنى : فهما آيتان من تسع : يعني العصا واليد ، فتكون الآيات إحدى عشرة : هاتان ، والفلق ، والطوفان ، والجراد ، والقمل ، والضفادع ، والدم ، والطمسة ، والجدب في بواديهم ، والنقصان في مزارعهم . قال النحاس : أحسن ما قيل فيه أن هذه الآية يعني اليد داخلة في تسع آيات ، وكذا قال المهدوي والقشيري . قال القشيري : تقول خرجت في عشرة نفر ، وأنت أحدهم أي خرجت عاشر عشرة ، ف { في } بمعنى " من " لقربها منها كما تقول : خذ لي عشراً من الإبل فيها فحلان أي منها .

قال الأصمعي في قول امرئ القيس :

وهل ينعمن من كان آخر عهده *** ثلاثون شهراً في ثلاثة أحوال

في بمعنى من ، وقيل في بمعنى مع { إلى فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ } قال الفراء : في الكلام إضمار ، أي إنك مبعوث ، أو مرسل إلى فرعون وقومه ، وكذا قال الزجاج : { إِنَّهُمْ كَانُواْ قَوْماً فاسقين } الجملة تعليل لما قبلها .

/خ14