السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{وَأَدۡخِلۡ يَدَكَ فِي جَيۡبِكَ تَخۡرُجۡ بَيۡضَآءَ مِنۡ غَيۡرِ سُوٓءٖۖ فِي تِسۡعِ ءَايَٰتٍ إِلَىٰ فِرۡعَوۡنَ وَقَوۡمِهِۦٓۚ إِنَّهُمۡ كَانُواْ قَوۡمٗا فَٰسِقِينَ} (12)

ثم أراه الله تعالى بعد هذه الآية آية أخرى ذكرها بقوله تعالى : { وأدخل يدك في جيبك } أي : فتحة ثوبك وهو ما قطع منه ليحيط بعنقك ، وكان عليه مدرعة صوف لا كم لها وقيل : الجيب القميص لأنه يجاب أي : يقطع { تخرج بيضاء } أي : بياضاً عظيماً نيراً جداً له شعاع كشعاع الشمس ، وكانت الآية الأولى مما في يده بقلب جوهرها إلى جوهر شيء آخر حيواني ، وهذه في يده نفسها بقلب عرضها التي كانت عليه إلى عرض آخر نوراني ، ثم نفى عنها أن يكون ذلك بسبب آفة بقوله تعالى : { من غير سوء } أي : برص ولا غيره من الآفات ، وقوله تعالى { في تسع آيات } كلام مستأنف ، وحرف الجرّ فيه متعلق بمحذوف ، والمعنى : اذهب في تسع آيات { إلى فرعون وقومه } كقول القائل :

فقلت إلى الطعام فقال منهم *** فريق تحسد الإنس الطعاما

ويجوز أن يكون بمعنى وألق عصاك وأدخل يدك في تسع آيات وعدادهنّ .

ولقائل أن يقول كانت الآيات إحدى عشرة آية : ثنتان منها العصا واليد ، والتسع الفلق والطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم والطمس والجدب في بواديهم والنقصان في مزارعهم ، وقيل : في بمعنى من أي : من تسع آيات فتكون العصا واليد من التسع ، ثم علل إرساله إليهم بالخوارق بقوله تعالى : { إنهم كانوا قوماً فاسقين } أي : خارجين عن طاعتنا .