اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{وَأَدۡخِلۡ يَدَكَ فِي جَيۡبِكَ تَخۡرُجۡ بَيۡضَآءَ مِنۡ غَيۡرِ سُوٓءٖۖ فِي تِسۡعِ ءَايَٰتٍ إِلَىٰ فِرۡعَوۡنَ وَقَوۡمِهِۦٓۚ إِنَّهُمۡ كَانُواْ قَوۡمٗا فَٰسِقِينَ} (12)

قوله : «تَخْرُجْ » الظاهر أنه جواب لقوله «أَدْخِلْ » أي : إن أدْخلْتها تَخْرُجُ على هذه الصفة{[38378]} ، وقيل : في الكلام حذفٌ تقديره : وأدْخِلْ يَدَكَ تَدْخُل{[38379]} ، وأخرجها تخرج ، فحذف من الثاني ما أثبته في الأول ، ومن الأول ما أثبته في الثاني{[38380]} ، وهذا تقدير ما لا حاجة إليه .

قوله : «بَيْضَاء » حال من فاعل «تَخْرُجْ »{[38381]} ، و «مِنْ غَيْرِ سُوءٍ » يجوز أن يكون حالاً أخرى أو من الضمير في «بَيْضَاءَ » ، أو صفة ل «بَيْضَاءَ »{[38382]} والمراد بالجيب : جيب القميص ، قال المفسرون كانت عليه مدرعة من صوف لا كم لها ولا إزار ، فأدخل يده في جيبه وأخرجها ، فإذا هي تبرق مثل البرق{[38383]} . قوله : «في تِسْعِ » فيه أوجه :

أحدها : أنه حال ثالثة ، قاله أبو البقاء يعني من فاعل «تخرج » ، أي آية في تسع آيات ، كذا قدره{[38384]} .

الثاني : أنه متعلق بمحذوف ، أي : اذهب{[38385]} في تسع آياتٍ{[38386]} ، وقد تقدم اختيار الزمخشري كذلك عند ذكر البسملة ، ونظره بقول الآخر :

3934 - فَقُلْتُ إلَى الطَّعَامِ فَقَالَ مِنْهُمْ{[38387]} *** . . .

وقولهم : بالرَّفاء والبنين{[38388]} وجعل هذا التقدير أقرب{[38389]} وأحسن{[38390]} .

الثالث : أن يتعلق بقوله : " وألق عصاك وأدخل " .

قال الزمخشري : ويجوز أن يكون المعنى : وألْقِ عَصَاكَ وَأَدْخِلْ يَدَكَ في تِسْع آيَاتٍ ، أي : في جملة تسع آياتٍ . ولقائل أن يقول : كانت الآيات إحدى عشرة منها اثنتان اليد والعصا ، والتِّسع الفَلْقُ ، والطُّوفان ، والجراد ، والقُمَّل ، والضَّفادع ، والدَّم ، والطَّمسة ، والجدب في بواديهم ، والنقصان من مزارعهم{[38391]} انتهى .

وعلى هذا تكون ( في ) بمعنى ( مَعَ ) أي : هذه آية مع تسع آيات{[38392]} أنت مرسل بهن إلى فرعون وقومه ، لأن اليد والعصا حينئذ خارجتان من التسع ، وكذا قال ابن عطية ، أعني أنه جعل «فِي تِسْعِ » متصلاً ب «أَلْقِ » و «أَدْخِلْ » ، إلا أنه جعل اليد والعصا من جملة التسع ، وقال : تقديره : تُمَهِّدُ لك ذلك وتيسِّر في تسع{[38393]} ، وجعل الزجاج ( في ) بمعنى ( من ){[38394]} ، قال كما تقول : خذ لي من الإبل عشراً فيها فحلان ، أي منها فحلان{[38395]} .

قوله : «إلَى فِرْعَونَ » هذا يتعلق بما تعلق به «فِي تِسْع » إذا لم نجعله حالاً ، فإن جعلناه حالاً علقناه بمحذوف ، فقدّره أبو البقاء مرسلاً إلى فرعون{[38396]} . وفيه نظر ، لأنه كونٌ مقيَّدٌ ، وسبقه إلى هذا التقدير الزجاج{[38397]} ، وكأنهما أرادا{[38398]} تفسير المعنى دون الإعراب .

وجوَّز أبو البقاء أيضاً أن تكون صفة ل «آيَاتٍ » ، وقدَّره : واصلةً إلى فرعون{[38399]} ، وفيه ما تقدم .


[38378]:انظر البحر المحيط 7/58.
[38379]:تدخل: سقط من ب.
[38380]:حكاه أبو حيان. البحر المحيط 7/58.
[38381]:انظر مشكل إعراب القرآن 2/146، البيان 2/299.
[38382]:انظر التبيان 2/1005.
[38383]:انظر البغوي 6/262-263.
[38384]:التبيان 2/1005.
[38385]:قال الزمخشري: (و "في تسع آيات" كلام مستأنف وحرف الجرّ فيه يتعلق بمحذوف، والمعنى: اذهب في تسع آيات "إلى فرعون") الكشاف 3/135.
[38386]:آيات: سقط من ب.
[38387]:صدر بيت من بحر الوافر، قاله سمير بن الحارث الضبي، أو تأبط شراً، وعجزه: فريق تحسد الأنس الطعاما وهو في الكشاف 1/5، 3/135، السبع الطوال 296، الحر المحيط 7/58، شرح شواهد الكشاف (107). والشاهد فيه قوله: (إلى الطعام) فإنه متعلق بفعل محذوف تقديره: أدعوكم.
[38388]:أي: أعرست بالرفاء والبنين. انظر مجمع الأمثال للميداني 1/175-176.
[38389]:في النسختين: أعرب.
[38390]:انظر الكشاف 1/4-5.
[38391]:الكشاف 3/135.
[38392]:هذا تعقيب أبي حيان. البحر المحيط 7/58.
[38393]:انظر تفسر ابن عطية 11/178.
[38394]:في النسختين: مع من. والصواب ما أثبته.
[38395]:قال الزجاج: ( ومثل قوله: "في تسع آيات" ومعناه من تسع قولهم: خذ لي عشراً من الإبل فيها فحلان، المعنى: منها فحلان) معاني القرآن وإعرابه 4/110.
[38396]:قال أبو البقاء: (و"إلى" متعلقة بمحذوف، تقديره: مرسلاً إلى فرعون) التبيان 2/1005.
[38397]:لم أجده في معاني القرآن وإعرابه للزجاج، وهو في البحر المحيط 7/58.
[38398]:في ب: أراد.
[38399]:قال أبو البقاء: (ويجوز أن يكون صفة لـ "تسع" أو لـ "آيات"، أي: واصلة إلى فرعون) التبيان 2/1005.