البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{وَأَدۡخِلۡ يَدَكَ فِي جَيۡبِكَ تَخۡرُجۡ بَيۡضَآءَ مِنۡ غَيۡرِ سُوٓءٖۖ فِي تِسۡعِ ءَايَٰتٍ إِلَىٰ فِرۡعَوۡنَ وَقَوۡمِهِۦٓۚ إِنَّهُمۡ كَانُواْ قَوۡمٗا فَٰسِقِينَ} (12)

{ وأدخل } : أمر بما يترتب عليه من ظهور المعجز العظيم ، لما أظهر له معجزاً في غيره ، وهو العصا ، أظهر له معجزاً في نفسه ، وهو تلألؤ يده كأنها قطعة نور ، إذا فعل ما أمر به .

وجواب الأمر الظاهر أنه تخرج ، لأن خروجها مترتب على إدخالها .

وقيل : في الكلام حذف تقديره : وأدخل يدك في جيبك تدخل ، وأخرجها تخرج ، فحذف من الأول ما أثبت مقابله في الثاني ، ومن الثاني ما أثبت مقابله في الأول .

قال قتادة : { في جيبك } : قميصك ، كانت له مدرعة من صوف لا كمين لها .

وقال ابن عباس ، ومجاهد : كان كمها إلى بعض يده .

وقال السدي : في جيبك : أي تحت إبطك .

والظاهر أن قوله : { في تسع آيات إلى فرعون } متعلق بمحذوف تقديره : اذهب بهاتين الآيتين : { في تسع آيات إلى فرعون } ، ويدل عليه قوله بعد : { فلما جاءتهم آياتنا مبصرة } ، وهذا الحذف مثل قوله :

أتوا ناري فقلت منون أنتم *** فقالوا الجن قلت عموا ظلاماً

وقلت إلى الطعام فقال منهم *** فريق يحسد الإنس الطعاما

التقدير : هلموا إلى الطعام .

وقال الزمخشري : ويجوز أن يكون المعنى : وألق عصاك ، وأدخل يدك ، في { تسع آيات } ، أي في جملة تسع آيات .

ولقائل أن يقول : كانت الآيات إحدى عشرة ، ثنتان منها : اليد والعصا ، والتسع : الفلق ، والطوفان ، والجراد ، والقمل ، والضفادع ، والدم ، والطمسة ، والجذب في بواديهم ، والنقصان من مزارعهم . انتهى .

فعلى الأول يكون العصا واليد داخلتين في التسع ، وعلى الثاني تكون في بمعنى مع ، أي مع تسع آيات .

وقال ابن عطية : { في تسع آيات } متصل بقوله : { ألق ، وأدخل } ، وفيه اقتضاب وحذف تقديره : تمهد ذلك وتيسر لك في جملة تسع آيات وهي : العصا ، واليد ، والطوفان ، والجراد ، والقمل ، والضفادع ، والدم ، والطمس ، والحجر ؛ وفي هذين الأخيرين اختلاف ، والمعنى : يجيء بهنّ إلى فرعون وقومه .

وقال الزجاج : في تسع آيات ، أي من تسع آيات ، كما تقول : خذ { لي } عشراً من الإبل فيها فحلان ، أي منها إلى فرعون ، أي مرسلاً إلى فرعون . انتهى .