قوله تعالى : { بلى } أي : ليس كما قالوا بل عليهم سبيل ، ثم ابتدأ .
قوله تعالى : { من أوفى } أي : ولكن من أوفى .
قوله تعالى : { بعهده } أي : بعهد الله الذي عهد إليه في التوراة من الإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم والقرآن وأداء الأمانة ، وقيل الهاء في عهده راجعة إلى الموفي .
قوله تعالى : { واتقى } الكفر والخيانة ونقض العهد .
قوله تعالى : { فإن الله يحب المتقين } .
أخبرنا عبد الواحد المليحي أنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، أنا محمد بن يوسف ، أنا محمد بن إسماعيل ، أنا قبيصة بن عقبة ، أنا سفيان عن الأعمش عن عبد الله بن مرة عن مسروق عن عبد الله بن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " أربع من كن فيه كان منافقاً خالصاً ، ومن كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها ، إذا ائتمن خان ، وإذا حدث كذب ، وإذا عاهد غدر ، وإذا خاصم فجر " .
ثم رد عليهم زعمهم الفاسد فقال { بلى } أي : ليس الأمر كما تزعمون أنه ليس عليكم في الأميين حرج ، بل عليكم في ذلك أعظم الحرج وأشد الإثم .
{ من أوفى بعهده واتقى } والعهد يشمل العهد الذي بين العبد وبين ربه ، وهو جميع ما أوجبه الله على العبد من حقه ، ويشمل العهد الذي بينه وبين العباد ، والتقوى تكون في هذا الموضع ، ترجع إلى اتقاء المعاصي التي بين العبد وبين ربه ، وبينه وبين الخلق ، فمن كان كذلك فإنه من المتقين الذين يحبهم الله تعالى ، سواء كانوا من الأميين أو غيرهم ، فمن قال ليس علينا في الأميين سبيل ، فلم يوف بعهده ولم يتق الله ، فلم يكن ممن يحبه الله ، بل ممن يبغضه الله .
هنا نجد القرآن الكريم يقرر قاعدته الخلقية الواحدة ، وميزانه الخلقي الواحد . ويربط نظرته هذه بالله وتقواه :
( بلى من أوفى بعهده واتقى فإن الله يحب المتقين . إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا ، أولئك لا خلاق لهم في الآخرة ، ولا يكلمهم الله ولا ينظر إليهم يوم القيامة ، ولا يزكيهم . ولهم عذاب أليم ) . .
فهي قاعدة واحدة من راعاها وفاء بعهد الله وشعورا بتقواه أحبه الله وأكرمه . ومن اشترى بعهد الله وبأيمانه ثمنا قليلا - من عرض هذه الحياة الدنيا أو بالدنيا كلها وهي متاع قليل - فلا نصيب له في الآخرة . ولا رعاية له عند الله ولا قبول ، ولا زكاة له ولا طهارة . وإنما هو العذاب الأليم .
ونلمح هنا أن الوفاء بالعهد مرتبط بالتقوى . ومن ثم لا يتغير في التعامل مع عدو أو صديق . فليس هو مسألة مصلحة . إنما هو مسألة تعامل مع الله أبدا . دونما نظر إلى من يتعامل معهم .
وهذه هي نظرية الإسلام الأخلاقية بصفة عامة . في الوفاء بالعهد وفي سواه من الأخلاق : التعامل هو أولا تعامل مع الله ، يلحظ فيه جناب الله ، ويتجنب به سخطه ويطلب به رضاه . فالباعث الأخلاقي ليس هو المصلحة ؛ وليس هو عرف الجماعة ، ولا مقتضيات ظروفها القائمة . فإن الجماعة قد تضل وتنحرف ، وتروج فيها المقاييس الباطلة . فلا بد من مقياس ثابت ترجع إليه الجماعة كما يرجع إليه الفرد على السواء . ولا بد أن يكون لهذا المقياس فوق ثباته قوة يستمدها من جهة أعلى . . أعلى من اصطلاح الناس ومن مقتضيات حياتهم المتغيرة . . ومن ثم ينبغي أن تستمد القيم والمقاييس من الله ؛ بمعرفة ما يرضيه من الأخلاق والتطلع إلى رضاه والشعور بتقواه . . بهذا يضمن الإسلام تطلع البشرية الدائم إلى أفق أعلى من الأرض ؛ واستمدادها القيم والموازين من ذلك الأفق الثابت السامق الوضيء .
{ بَلَى مَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ وَاتَّقَى فَإِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ }
ثم رد الله تعالى في صدر قولهم ، ليس علينا بقوله { بلى } أي عليهم سبيل وحجة وتبعة ، ثم أخبر على جهة الشرط أن { من أوفى } بالعهد { واتقى } عقوبة الله في نقضه ، فإنه محبوب عند الله ، وتقول العرب : وفى بالعهد ، وأوفى به بمعنى ، وأوفى ، هي لغة الحجاز وفسر الطبري وغيره ، على أن الضمير في قوله { بعهده } عائد على الله تعالى ، وقال بعض المفسرين : هو عائد على { من } .
قال الفقيه الإمام أبو محمد : والقولان يرجعان إلى معنى واحد ، لأن أمر الله تعالى بالوفاء مقترن بعهد كل إنسان ، وقال ابن عباس : { اتقى } في هذه الآية ، معناه : اتقى الشرك ، ثم خرج جواب الشرط على تعميم المتقين تشريفاً للتقوى وحضّاً عليها .
( بَلى ) حرف جواب وهو مختص بإبطال النفي فهو هنا لإبطال قولهم : { ليس علينا في الأميين سبيل } [ آل عمران : 75 ] .
و ( بلى ) غير مختصّة بجواب الاستفهام المنفي بل يجاب بها عند قصد الإبطال ، وأكثر مواقعها في جواب الاستفهام المنفي ، وجيء في الجواب بحكم عام ليشمل المقصود وغيره : توفيراً للمعنى ، وقصْداً في اللفظ ، فقال : { من أوفى بعهده } أي لم يخن ، لأنّ الأمانة عهد ، { واتقى } ربه فلم يدحَض حق غيره { إنّ الله يحبّ المحسنين } [ المائدة : 13 ] أي الموصوفين بالتقوى ، والمقصود نفي محبة الله عن ضدّ المذكور بقرينة المقام .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.