اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{بَلَىٰۚ مَنۡ أَوۡفَىٰ بِعَهۡدِهِۦ وَٱتَّقَىٰ فَإِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلۡمُتَّقِينَ} (76)

قوله : { بَلَى } جواب لقولهم : " لَيْسَ " وإيجاب لما نفوه . وتقدم القول في نظيره .

قال ابن الخطيبِ : وعندي الوقف التام على " بَلَى " ثم استأنف .

وقيل : إن كلمة " بَلَى " كلمة تُذْكَر ابتداءً لكلام آخرَ يُذكَر بعده ؛ لأن قولَهم : ليس علينا فيما نفعل جناحٌ قائمٌ مقام قولهم : { نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ } [ المائدة : 18 ] فذكر - تعالى - أن أهل الوفاءِ بالعهد والتقى هم الذين يحبهم الله تعالى - لا غيرهم - وعلى هذا الوجه ، فلا يَحْسُن الوقف على " بَلَى " اه .

و " مَنْ " شرطية ، أو موصولة ، والرابط بين الجملة الجزائية ، أو الخبرية هو العموم في { الْمُتَّقِينَ } وعند من يرى الربط بقيام الظاهر مقام المضمر يقول ذلك هنا .

وقيل : الجزاء ، أو الخبر محذوف ، تقديره : يحبه الله ، ودل على هذا المحذوف قوله : { فَإِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ } وفيه تكلُّفٌ لا حاجةَ إليه .

قال القرطبيُّ : " مَنْ " رفع بالابتداء ، وهو شرط ، و " أَوْفَى " في موضع جزم " واتَّقَى " معطوف عليه ، واتقى الله ، ولم يكذب ، ولم يستحل ما حرم عليه { فَإِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ } أي يحب أولئك .

و " بعهده " يجوز أن يكون المصدر مضافاً لفاعله على أن الضمير يعود على " مَنْ " . أو مضافاً إلى مفعوله على أنه يعود على " اللهِ " ويجوز أن يكون المصدر مضافاً للفاعل وإن كان الضمير لله تعالى وإلى المفعول وإن كان الضمير عائداً على " مَنْ " ومعناه واضح عند التَّأمُّلِ .

فإن قيل : بتقدير أن يكون الضميرُ عائداً إلى الفاعل ، وهو " مَنْ " فإنه يدل على أنه لو وفى أهل الكتاب بعهودهم وتركوا الخيانةَ ، فإنهم يكتسبونَ محبة اللهِ .

فالجواب أن الأمر كذلك ، فإنهم إذا وفوا بالعهود ، فأول ما يوفون به العهد الأعظم ، وهو ما أخذَ الله عليهم في كتابهم من الإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم وبما جاء به ، وهو المراد بالعهد في هذه الآية قال صلى الله عليه وسلم " أرْبَعٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ كَانَ مُنَافِقاً خَالِصاً ، وَمَنْ كَانتْ فيه وَاحِدَةٌ مِنْهُنَّ كَانَتْ فِيهِ خصلَةٌ مِن النِّفَاقِ حَتَّى يَدَعَهَا : إذا ائتُمِنَ خَانَ ، وَإذَا حدَّث كَذَبَ ، وَإِذَا عَاهَدَ غَدَرَ ، وَإذَا خَاصَم فَجرَ " .