غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{بَلَىٰۚ مَنۡ أَوۡفَىٰ بِعَهۡدِهِۦ وَٱتَّقَىٰ فَإِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلۡمُتَّقِينَ} (76)

72

{ بلى } قال الزجاج : عندي وقف التمام ههنا لأنه لمجرد نفي ما قبله أي بلى عليهم سبيل في ذلك وما بعده استئناف ، وقال غيره : إنه يذكر في ابتداء كلام يقع جواباً عن المنفي قبله . فقولهم : { ليس علينا جناح } قائم مقام قوله : { نحن أحباء الله } تعالى فقيل لهم : إن أهل الوفاء بالعهد وأهل التقى هم الذين يحبهم الله . وعلى هذا فلا وقف على " بلى " . وفيه أن اليهود ليسوا من الوفاء والتقى في شيء ، ولو أنهم أوفوا بالعهود أوفوا أول كل شيء بالعهد الذي أخذه الله تعالى في كتابهم من الإيمان بنبي آخر الزمان وهو محمد صلى الله عليه وسلم . ولو أنهم اتقوا الله لم يكذبوا عليه ولم يحرفوا كتابه . وعموم لفظ المتقين قائم مقام الضمير العائد إلى المبتدأ والضمير في { بعهده } يجوز أن يرجع إلى { من } ويجوز أن يرجع إلى اسم الله كقوله في الآية التالية { بعهد الله } . واعلم أن الوفاء والتقى أصلان لجميع مكارم الأخلاق . فالوفاء بالعهد يشمل عهد الميثاق وعهد الله تعالى بالتزام التكاليف الخاصة والعامة ، والتقوى تتممها وتزينها حتى يأتي بها على وجه الكمال من غير شائبة الاختلال . فكل متقٍ موفٍ بالعهد ولا يلزم العكس ، فلهذا اقتصر على قوله : { يحب المتقين } دون أن يقول يحب الموفين أو الموفين والمتقين فافهم . ثم إنه سبحانه لما وصف اليهود بالخيانة في أموال الناس - والخيانة فيها لا تتمشى إلا بالأيمان الكاذبة غالباً - لا جرم أردفها بالوعيد عليها . وأيضاً الخيانة في العهود وفي تعظيم أسماء الله تناسب الخيانة في الأموال ، فلا جرم .