{ وجاء المعذرون من الأعراب ليؤذن لهم } . الآية ، قرأ يعقوب ومجاهد : " المعذرون " بالتخفيف وهم المبالغون في العذر ، يقال في المثل : لقد أعذر من أنذر أي : بالغ في العذر من قدم النذارة ، وقرأ الآخرون " المعذرون " بالتشديد ، أي : المقصرون ، يقال : عذر أي : قصر ، وقال الفراء : المعذرون المعتذرون ادغمت التاء في الذال ونقلت حركة التاء إلى العين . وقال الضحاك : " المعذرون هم رهط عامر بن الطفيل جاؤوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم دفاعا عن أنفسهم فقالوا : يا نبي الله إن نحن غزونا معك تغير أعراب طيء على حلائلنا وأولادنا ومواشينا ، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم : قد أنبأني الله من أخباركم وسيغني الله عنكم " . وقال ابن عباس : هم الذين تخلفوا بعذر بإذن رسول الله صلى الله عليه وسلم . { وقعد الذين كذبوا الله ورسوله } ، يعني : المنافقين . قال أبو عمرو بن العلاء : كلا الفريقين كان مسيئا قوم تكلفوا عذرا بالباطل ، وهم الذين عناهم الله تعالى بقوله : { وجاء المعذرون } ، وقوم تخلفوا عن غير تكلف عذر فقعدوا جرأة على الله تعالى ، وهم المنافقون فأوعدهم الله بقوله : { سيصيب الذين كفروا منهم عذاب أليم } .
{ 90 - 93 ْ } { وَجَاءَ الْمُعَذِّرُونَ مِنَ الْأَعْرَابِ لِيُؤْذَنَ لَهُمْ وَقَعَدَ الَّذِينَ كَذَبُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ سَيُصِيبُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ * لَيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ وَلَا عَلَى الْمَرْضَى وَلَا عَلَى الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ مَا يُنْفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ * وَلَا عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لَا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَنًا أَلَّا يَجِدُوا مَا يُنْفِقُونَ * إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ وَهُمْ أَغْنِيَاءُ رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوَالِفِ وَطَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ ْ }
يقول تعالى : { وَجَاءَ الْمُعَذِّرُونَ مِنَ الْأَعْرَابِ لِيُؤْذَنَ لَهُمْ ْ } أي : جاء الذين تهاونوا ، وقصروا منهم في الخروج لأجل أن يؤذن لهم في ترك الجهاد ، غير مبالين في الاعتذار لجفائهم وعدم حيائهم ، وإتيانهم بسبب ما معهم من الإيمان الضعيف .
وأما الذين كذبوا اللّه ورسوله منهم ، فقعدوا وتركوا الاعتذار بالكلية ، ويحتمل أن معنى قوله : { الْمُعَذِّرُونَ ْ } أي : الذين لهم عذر ، أتوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليعذرهم ، ومن عادته أن يعذر من له عذر .
{ وَقَعَدَ الَّذِينَ كَذَبُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ ْ } في دعواهم الإيمان ، المقتضي للخروج ، وعدم عملهم بذلك ، ثم توعدهم بقوله : { سَيُصِيبُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ْ } في الدنيا والآخرة .
لما ذكر المعتذرين ، وكانوا على قسمين ، قسم معذور في الشرع ، وقسم غير معذور ، ذكر ذلك بقوله :
( وجاء المعذّرون من الأعراب ليؤذن لهم ، وقعد الذين كذبوا اللّه ورسوله ، سيصيب الذين كفروا منهم عذاب أليم ) . .
فأما الأولون فهم ذوو الأعذار الحقيقية فلهم عذرهم إن استأذنوا في التخلف ، وأما الآخرون فقعدوا بلا عذر . قعدوا كاذبين على اللّه والرسول . وهؤلاء ينتظر الذين كفروا منهم عذاب أليم أما الذين يتوبون ولا يكفرون فمسكوت عنهم لعل لهم مصيراً غير هذا المصير .
وقوله تعالى : { وجاء المعذرون من الأعراب } الآية ، اختلف المتألون في هؤلاء الذى جاءوا هل كانوا مؤمنين أو كافرين ، فقال ابن عباس وقوم معه منهم مجاهد : كانوا مؤمنين وكانت أعذارهم صادقة ، وقرأ «وجاء المعْذرون » بسكون العين ، وهي قراءة الضحاك وحميد الأعرج وأبي صالح وعيسى بن هلال . وقرأ بعض قائلي هذه المقالة «المعذّرون » بشد الذال ، قالوا وأصله المتعذرون فقلبت التاء ذالاً وأدغمت .
ويحتمل المعتذرون في هذا القول معنيين أحدهما المتعذرون بأعذار حق والآخر أن يكون الذين قد بلغوا عذرهم من الاجتهاد في طلب الغزو معك فلم يقدروا فيكون مثل قول لبيد :
. . . . . . . . . . . . . . . . . . *** *** ومن يبك حولاً كاملاً فقد اعتذر{[5830]}
وقال قتادة وفرقة معه : بل الذين جاءوا كفرة وقولهم وعذرهم كذب ، وكل هذه الفرقة قرأ «المعذّرون » بشد الذال ، فمنهم من قال أصله المتعذرون نقلت حركة التاء إلى العين وأدغمت التاء في الذال ، والمعنى معتذرون بكذب ، ومنهم من قال هو من التعذير أي الذين يعذرون الغزو ويدفعون في وجه الشرع ، فالآية إلى آخرها في هذا القول إنما وصفت صنفاً واحداً في الكفر ينقسم إلى أعرابي وحضري ، وعلى القول الأول وصفت صنفين : مؤمناً وكافراً ، قال أبو حاتم : وقال بعضهم سألت مسلمة فقال «المعّذّرون » بشد العين والذال ، قال أبو حاتم : أراد المعتذرين والتاء لا تدغم في العين لبعد المخارج وهي غلط عنه أو عليه ، قال أبو عمرو : وقرأ سعيد بن جبير «المعتذرون » بزيادة تاء ، وقرأ الحسن بخلاف عنه وأبو عمرو ونافع والناس «كذَبوا » بتخفيف الذال ، وقرأ الحسن وهو المشهور عنه وأبي بن كعب ونوح وإسماعيل «كذّبوا » بتشديد الذال ، والمعنى لم يصدقوه تعالى ولا رسوله وردوا عليه أمره ، ثم توعد في آخر الآية الكافرين ب { عذاب أليم } ، فيحتمل أن يريد في الدنيا بالقتل والأسر .
ويحتمل أن يريد في الآخرة بالنار ، وقوله : { منهم } يريد أن المعذرين كانوا مؤمنين ويرجحه بعض الترجيح فتأمله{[5831]} ، وضعف الطبري قول من قال إن المعذرين من التعذير وأنحى عليه والقول منصوص ووجهه بين والله المعين ، وقال ابن إسحاق «المعذرون » نفر من بني غفار منهم خفاف بن إيماء بن رحضة .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.