تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{وَجَآءَ ٱلۡمُعَذِّرُونَ مِنَ ٱلۡأَعۡرَابِ لِيُؤۡذَنَ لَهُمۡ وَقَعَدَ ٱلَّذِينَ كَذَبُواْ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥۚ سَيُصِيبُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنۡهُمۡ عَذَابٌ أَلِيمٞ} (90)

وقوله تعالى : ( وَجَاءَ الْمُعَذِّرُونَ مِنْ الأَعْرَابِ لِيُؤْذَنَ لَهُمْ ) قال بعضهم من أهل التأويل : ( المعذرون ) هم الذي يستأذنون القعود ، ولا عذر لهم في ذلك . وقال الكلبي : ( المعذرون ) هم الذين لهم عذر ، وبهم علة . وبعضهم قال : ( المعذرون ) هم المعتذرون .

وروي عن ابن عباس رضي الله عنه أنه قرأ : المعذرون[ انظر معجم القراءات القرآنية ح3/35 ] بالتخفيف ، وقال : لعن الله المعذِّرين ؛ كأنه ذهب إلى أن المُعْذِرَ هو الذي له عذر ، والمعذِّر بالتشديد الذي لا عذر له ، لذلك لعن المعذر .

قال أبو معاذ : وأكثر كلام العرب المُعْذِرُ هو الذي له عذر وهو قولهم : قد أعذر من أنذر .

وقال عوسجة : المعذِّر بالتشديد الذي لا يُناصَحُ ، إنما يريد أن يعذر ، ويقال : عذرت في الأمر إذا لم أبالغ[ في الأصل وم : يبالغ ] فيه ، وأعذرت في الأمر أي بالغت فيه .

وقال القتبي : ( المعذرون ) بالتشديد هم الذين لا يجدون ، إنما يعرضون ما لا يريدون أن يفعلوه ، يقال : عذرت في الأمر إذا قصرت ، وأعذرت : جددت .

ثم قال بعض أهل التأويل : دل هذا على أن أهل النفاق كانوا صنفين ؛ صنف كانوا يستأذنون القعود ، وصنف لا يستأذنون ، ولكن يقعدون بقوله : ( وَجَاءَ الْمُعَذِّرُونَ مِنْ الأَعْرَابِ لِيُؤْذَنَ لَهُمْ وَقَعَدَ الَّذِينَ كَذَبُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ سَيُصِيبُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ) دل قوله : ( سَيُصِيبُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ) على أن من أهل النفاق من قد آمن ، وتاب ، وأن من تاب يقبل منه لأنه قال : ( سَيُصِيبُ الَّذِينَ كَفَرُوا ) ولم يقل سيصيبهم عذاب أليم .

وقال بعضهم : المعذرون بالتخفيف : هم المؤمنون الذين لهم العذر والتخلف ؛ أتوا رسول الله لينظر في أمرهم الأوفق : إن كان الخروج لهم أوفق يخرجوا[ في الأصل وم : يخرجون ] ، وإن كان القعود أوفق يقعدوا[ في الأصل وم : يقعدون ] . يدل على ذلك الآية التي تلي هذه ، وهو قوله تعالى : ( لَيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ وَلا عَلَى الْمَرْضَى وَلا عَلَى الَّذِينَ لا يَجِدُونَ مَا يُنفِقُونَ )الآية[ التوبة : 91 ] .

فإن قيل : كيف احتمل أن يكون آية واحدة في الفريقين مختلفين : إذا قرئ بالتخفيف فهي في الذين لهو عذر ، وإذا قرئ بالتشديد كانت في الذين لا عذر لهم ؟ قيل : تصير على اختلاف القراءة كاثنتين[ في م : كاثنين ] في حالتين ووقتين مختلفين .

وإن كان تأويل المُعَذِّرُ بالتشديد فهو[ الفاء ساقطة من الأصل وم ] الذي يعتذر ، ولا عذر له ، والمُعذِر بالتخفيف هو الذي له [ عذر ، وإن ][ في الأصل وم : عذرا و ] كان تأويل إحدى القراءتين على ضد[ في الأصل وم : ضدي ] الأخرى كان لهم عذر في حال ، ولا عذر لهم في حال أخرى . وإلا لا يحتمل أن يكون القراءتان جميعا في وقت واحد ، وتأويلهما على الاختلاف الذي ذكروا ، وهو كقوله : ( ربنا باعد بين أسفارنا )[ سبأ : 19 ] وقوله[ في الأصل وم : و ] ربُّنا بالرفع[ انظر معجم القراءات القرآنية5/155 ] باعد ( بين أسفارنا ) : أحدهما على الدعاء ، والآخر على الإيجاب ، هما آيتان ، صارتا آية واحدة لاختلاف القراءة ، والله أعلم .