الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي بن ابي طالب - مكي ابن أبي طالب  
{وَجَآءَ ٱلۡمُعَذِّرُونَ مِنَ ٱلۡأَعۡرَابِ لِيُؤۡذَنَ لَهُمۡ وَقَعَدَ ٱلَّذِينَ كَذَبُواْ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥۚ سَيُصِيبُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنۡهُمۡ عَذَابٌ أَلِيمٞ} (90)

ثم قال تعالى : { وجاء المعذرون من الاعراب ليوذن لهم }[ 90 ] .

والمعنى : { وجاء المعذرون من الاعراب ليوذن لهم } ، في التخلف ، { وقعد } عن الإتيان إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فيعتذروا أو يجاهدوا ، و{ الذين{[29456]} كذبوا الله ورسوله } ، واعتذروا بالباطل بينهم ، لا عند رسول الله عليه السلام{[29457]} .

{ سيصيب الذين كفروا منهم }[ 90 ] .

أي : جحدوا توحيد الله ونبوة نبيه عليه السلام{[29458]} .

{ عذاب أليم }[ 90 ] .

أي : مؤلم ، أي : موجع .

وقوله : { المعذرون } ليس من " عذر " ، يقال : " عذر الرجل في الأمر " إذا لم يبالغ فيه ، ولم يُحكمه{[29459]} ، ولم تكن هذه صفة هؤلاء ، بل كانوا أهل اجتهاد في طلب ما ينهضهم مع النبي صلى الله عليه وسلم فوصفهم بأنهم قد اعتذروا أو أعذروا ، أولى من وصفهم بأنهم قد عذّروا{[29460]} فإنما هم المعتذرون{[29461]} ، ثم أدغم{[29462]} .

وقد قرأ ابن عباس : " المعذرون " {[29463]} من : " أعذر " {[29464]} .

ويجوز : " المُعذرون " بضم العين لالتقاء الساكنين ، ( يتبع الضم الضم{[29465]} .

ويجوز : " المُعِذِّرُون " بكسر العين لالتقاء الساكنين ){[29466]}-{[29467]} .

وقد قيل : إن " المُعَذِّر " من " عذر " إذا قصر في الأمر فهم مذمومون على هذا المعنى{[29468]} .

وعلى المعنى الآخر إذا حملته على معنى " المعتذرين " {[29469]} غير مذمومين ، إذا أتوا بعذر واضح{[29470]} .

ويجوز أن يكونوا مذمومين إذا أتوا بعذر غير واضح ، يقال " اعتذر الرجل " : إذا أتى بعذر واضح ، و " اعتذر " : إذا لم يأت بعذر ، قال تعالى : { يعتذرون إليكم إذا رجعتم إليهم قل لا تعتذروا } ، فهؤلاء اعتذروا بالباطل ، فهم الذين يعتذرون ولا عذر لهم{[29471]} .

ومنع المبرد أن يكون أصله : " المعتذرين " ثم أدغم لأنه يقع اللبس{[29472]} .

وذكر إسماعيل القاضي : أن سياق الكلام يدل على أنه لا عذر لهم وأنهم مذمومون ، لأنهم جاء/وا{ ليوذن لهم } ، ولو كانوا من الضعفاء والمرضى ، و{[29473]} الذين لا يجدون ما ينفقون لم يحتاجوا إلى أن يستأذنوا{[29474]} .

وقول العرب : " من عَذِيرِي من فلان " ، معناه : قد أتى فلان أمرا عظيما يستحق عليه العقوبة ، ولم يعلم الناس به ، فمن يعذرني إن عاقبته{[29475]} .

قال مجاهد : هم نفر من بني غِفار ، جاءوا فاعتذروا ، فلم يعذرهم الله عز وجل{[29476]} .

وكذلك قال قتادة{[29477]} .

فهذا يدل على أنهم كانوا أهل اعتذار بالباطل لا بالحق ، فلا يوصفون{[29478]} بالإعذار{[29479]} .

وقرأ ابن عباس : " المُعْذرون " بإسكان{[29480]} العين ، وكان يقول : لعن الله المعتذرين{[29481]} ، يذهب إلى أن " المعتذرين " بإسكان العين ، ليس لهم عذر صحيح{[29482]} .

و{ المعذرون } بالتشديد : المفرطون المقصرون ولا عذر لهم{[29483]} .


[29456]:في المخطوطتين: والذين، وأثبت ما في نص التلاوة.
[29457]:جامع البيان 14/416، بتصرف.
[29458]:المصدر نفسه.
[29459]:قال ابن قتيبة في تفسير غريب القرآن 191: "يقال: عذرت في الأمر إذا قصرت". وقال أبو منصور الأزهري في معاني القراءات 1/460: "والعرب تقول للمقصر: معذر" وفي المصباح/عذر: "وعذّر في الأمر تعذيرا: إذا قصر ولم يجتهد". انظر: اللسان/عذر.
[29460]:بمعنى: قصّروا كما سلف فوقه. وسيأتي. وفي المخطوطتين: قد عذر. وصوابه في جامع البيان الذي نقل عنه مكي. وفي "ر": بإنما: وهو تحريف.
[29461]:جامع البيان 14/416، بتصرف.
[29462]:معاني القرآن للفراء 1/447، ومعاني القرآن للأخفش 1/363، وتفسير غريب القرآن لابن قتيبة 191، وجامع البيان 14/417، ومعاني القرآن وإعرابه للزجاج 2/464.
[29463]:بسكون العين، وكسر الذال مخففة. والقراءة في معاني القرآن للفراء 1/448، وجامع البيان 14/416، وإعراب القرآن للنحاس 2/230 وفيه: "إلا أن مدارها على الكلبي"، ومختصر في شواذ القرآن 59، والحجة في القراءات 321، والمحرر الوجيز 3/69، وفيه: "وهي قراءة الضحاك، وحميد الأعرج، وأبي صالح وعيسى بن هلال. وزاد المسير 3/482، 483، وزاد نسبتها إلى مجاهد وقتادة، وابن يعمر، ويعقوب، وتفسير القرطبي 8/142، 143 وفيه: "قرأ الأعرج والضحاك ورواها أبو كريب عن أبي بكر عن عاصم، ورواها أصحاب القراءات عن ابن عباس"، والبحر المحيط 5/86، وزاد نسبتها إلى: زيد بن علي، والضحاك، والأعرج، وأبي صالح، وعيسى بن هلال، ويعقوب، والكسائي في رواية.
[29464]:في معاني القرآن للفراء 1/448، "....والمُعذر: الذي بلغ أقصى العذر". وفي إعراب القرآن للنحاس 2/230: "وهي من أعذر إذا بالغ في العذر". وفي معاني القراءات للأزهري 1/460: "يقال: أعذر الرجل: إذا جاء بعذر، ولم يقصر".
[29465]:معاني القرآن للأخفش 1/363، ومعاني القرآن وإعرابه للزجاج 2/464، وإعراب القرآن للنحاس 2/230، والكشاف 2/285، وزاد المسير 3/483، وتفسير القرطبي 8/143.
[29466]:ما بين الهلالين ساقط من "ر".
[29467]:معاني القرآن وإعرابه للزجاج 2/464، والكشاف 2/285، وزاد المسير 3/483، وتفسير القرطبي 8/143، وفيه: "وهذان الوجهان، كسر العين وضمها، لم يُقرأ بهما، وإنما يجوز في النحو، وهما جهتان يثقل اللفظ بهما، فالقراءة بهما مطروحة".
[29468]:وفي تفسير القرطبي 8/143، "وقال الجوهري: فهو المُعذِّر على جهة "المفعل"، لأنه الممرض والمقصر، يعتذر بغير عذر...وكان ابن عباس يقول: لعن الله المعذرين. كأن الأمر عنده أن المعذِّر، بالتشديد، هو المظهر للعذر، اعتلالا من غير حقيقة له في العذر". وذهب أبو حيان في البحر 5/86، إلى أن قراءة الجمهور تحتمل: "وزنين، أحدهما: أن يكون "فعّل" بتضعيف العين، ومعناه: تكلف العذر، ولا عذر له. ويقال: "عذّر" في الأمر قصر فيه وتوانى. وحقيقته: أن يوهم أنه له عذرا فيما يفعل ولا عذر له". انظر: معاني القرآن للفراء 1/448، ومجاز القرآن 1/267، ومعاني القراءات لأبي منصور الأزهري 1/460، والكشاف 2/285، والمحرر الوجيز 3/70، واللسان / عذر.
[29469]:في الأصل المعذرين وهو تحريف. ويقوي هذا التوجيه بقراءة سعيد بن جبير "المعتذرون" التي أوردها ابن عطية في المحرر الوجيز 3/70. وأبو حيان في البحر 5/86.
[29470]:قال ابن الأنباري: {المعذرون} هاهنا: المعتذرون بالعذر الصحيح. وأصل الكلمة عند أهل النحو "المعتذرون" فحولت فتحة "التاء" إلى "العين" وأبدلت "الذال" من "التاء"، وأدغمت في "الذال" التي بعدها، فصارتا ذالا مشددا، كما في زاد المسير 3/483، وينظر: الزاهر 1/438، والأضداد 321.
[29471]:معاني القرآن للفراء 1/448، والأضداد لابن الأنباري 320، والزاهر 1/438.
[29472]:إعراب القرآن للنحاس 2/230.
[29473]:في إعراب القرآن للنحاس الذي نقل عنه مكي: أو الذين.
[29474]:إعراب القرآن للنحاس 2/230. وأورده القرطبي في تفسيره 8/143.
[29475]:إعراب القرآن للنحاس 2/230-231 وأورده القرطبي في تفسيره 8/143، وينظر: الزاهر 1/332، واللسان/عذر.
[29476]:جامع البيان 14/417.
[29477]:المصدر نفسه، بلفظ: "كان قتادة يقرأ: "وجاء المعذرون من الأعراب" قال: اعتذروا بالكذب.
[29478]:في "ر": بالاعتذار، وهو تحريف.
[29479]:جامع البيان 14/417، 418، باختصار.
[29480]:مضى تخريجها قريبا.
[29481]:معاني القرآن للفراء 1/448، وزاد المسير 3/484، وتفسير القرطبي 8/143، والبحر المحيط 5/86، والدر المنثور 4/2602، بلفظ: "لعن الله المعذرين".
[29482]:انظر: معاني القرآن للفراء 1/448.
[29483]:انظر: المصدر نفسه، 1/448، والبحر المحيط 5/86.