السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{وَجَآءَ ٱلۡمُعَذِّرُونَ مِنَ ٱلۡأَعۡرَابِ لِيُؤۡذَنَ لَهُمۡ وَقَعَدَ ٱلَّذِينَ كَذَبُواْ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥۚ سَيُصِيبُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنۡهُمۡ عَذَابٌ أَلِيمٞ} (90)

{ وجاء المعذرون } بإدغام التاء في الأصل في الذال أي : المعتذرون بمعنى المعذورين { من الأعراب } إلى النبي صلى الله عليه وسلم { ليؤذن لهم } في القعود لعذرهم فأذن لهم واختلف في هؤلاء المعذرين فقيل : هم أسد وغطفان قالوا : إنّ لنا عيالاً وإن بنا جهداً فائذن لنا في التخلف ، وقيل : هم رهط عامر بن الطفيل قالوا : إن غزونا معك أغارت أعراب طيء على أهالينا ومواشينا فقال صلى الله عليه وسلم : «سيغنيني الله عنكم » وقيل : نفر من غفار اعتذروا فلم يعذرهم الله ، وعن قتادة : اعتذروا بالكذب والاعتذار في كلام العرب على قسمين : يقال : اعتذر إذا كذب في عذره ومنه قوله تعالى : { يعتذرون إليكم إذا رجعتم إليهم } ( التوبة ، 94 ) فردّ الله تعالى عيهم بقوله : { قل لا تعتذروا } ( التوبة ، 94 ) فدلّ ذلك على فساد عذرهم وكذبهم فيه . ويقال : اعتذر إذا أتى بعذر صحيح كما في قول لبيد :

ومن يبك حولاً كاملاً فقد اعتذر *** . . .

يريد : فقد جاء بعذر صحيح . وقيل : هو التعذير الذي هو التقصير ، يقال : عذر يعذر إذا قصر ولم يبالغ فعلى هذا المعنى يحتمل أنهم كانوا صادقين في اعتذارهم وأنهم كانوا كاذبين ، ومن المفسرين من قال : إنهم كانوا صادقين بدليل أنه تعالى لما ذكره قال بعده : { وقعد الذين كذبوا الله ورسوله } أي : في ادعاء الإيمان من منافقي الأعراب عن المجيء للاعتذار فلما فصل بينهم وميزهم عن الكاذبين دل ذلك على أنهم ليسوا كاذبين .

ويروى عن عمرو بن العلاء أنه لما قيل له هذا الكلام فقال : إن أقواماً تكلفوا عذراً بباطل فهم الذين عناهم الله تعالى بقوله : { وجاء المعذرون } وتخلف الآخرون لا لعذر ولا لشبه عذر جراءة على الله وهم المراد بقوله تعالى : { وقعد الذين كذبوا الله ورسوله } { سيصيب الذين كفروا منهم } أي : من الأعراب أو من المعذرين فإن منهم من اعتذر لكسله لا لكفره { عذاب أليم } في الدنيا بالقتل وفي الآخرة بالنار .