غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{وَجَآءَ ٱلۡمُعَذِّرُونَ مِنَ ٱلۡأَعۡرَابِ لِيُؤۡذَنَ لَهُمۡ وَقَعَدَ ٱلَّذِينَ كَذَبُواْ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥۚ سَيُصِيبُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنۡهُمۡ عَذَابٌ أَلِيمٞ} (90)

90

التفسير : لما شرح أحوال منافقي المدينة شرع في أحوال المنافقين من أهل البدو فقال { وجاء المعذرون } من قرأ بالتخفيف فهو من أعذر إذا اجتهد في العذر وبالغ فيه ومنه قولهم : من أنذر فقد أعذر . فكأنه تعالى فصل بين أصحاب العذر وبين الكافرين ؛ فالمعذرون هم الذين أتوا بالعذر وهم أسد وغطفان قالوا : إن لنا أتباعاً وعيالاً وإن بنا جهداً فأذن لنا في التخلف . وقيل : هم رهط عامر بن الطفيل قالوا : إن غزونا معك أغارت أعراب طيء على أهالينا ومواشينا فقال صلى الله عليه وآله : سيغنيني الله عنكم . وعن مجاهد : نفر من غفار . ومن قرأ بالتشديد ففيه وجهان : الأوّل أن يكون من التعذير وهو التقصير في الأمر والتواني فيه وحقيقته أن يوهم أن له عذراً فيما يفعل ولا عذر له . الثاني وقد ذكره الفراء والزجاج وابن الأنباري أنه من الاعتذار والأصل فيه المعتذرون أدغمت التاء في الذال بعد نقل حركتها إلى العين . والاعتذار قد يكون بالكذب كقوله تعالى : { يعتذرون إليكم إذا رجعتم إليهم قل لا تعتذروا } وقد يكون صحيحاً كقول القائل :

ومن يبك حولاً كاملاً فقد اعتذر *** . . .

أي ما جاء بعذر صحيح . فإذا أخذنا بقراءة التخفيف كان المعذرون صادقين ، وإذا أخذنا بقراءة التشديد وفسرناها بالمعتذرين فاحتمل الأمران . ومن المفسرين من رجح جانب صدقهم لأنه تعالى ميزهم من الكاذبين بقوله : { وقعد الذين كذبوا الله ورسوله } ومنهم من مال إلى أنهم كاذبون . روى الواحدي بإسناده عن أبي عمرو أنه قال : إن أقواماً تكلفوا عذراً بباطل وهم الذين عناهم الله بقوله { وجاء المعذرون } وتخلف آخرون لا بعذر ولا بشبهة عذر جراءة على الله وهم الذين أرادهم الله بقوله : { وقعد الذين كذبوا الله ورسوله } وهم منافقو الأعراب الذين لم يجيئوا ولم يعتذروا وظهر بذلك أنهم كذبوا الله ورسوله في ادعائهم الإيمان . { سيصيب الذين كفروا منهم } أي من الأعراب { عذاب أليم } في الدنيا بالقتل وفي العقبى بالنار . وإنما قال : { منهم } لعلمه بأن بعضهم سيؤمن ويتخلص من هذا العقاب .

/خ99