معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{وَٱصۡنَعِ ٱلۡفُلۡكَ بِأَعۡيُنِنَا وَوَحۡيِنَا وَلَا تُخَٰطِبۡنِي فِي ٱلَّذِينَ ظَلَمُوٓاْ إِنَّهُم مُّغۡرَقُونَ} (37)

فأوحى الله تعالى إليه : { واصنع الفلك بأعيننا } . قال ابن عباس بمرأى منا . وقال مقاتل : بعلمنا . وقيل : بحفظنا . { ووحينا } ، بأمرنا . { ولا تخاطبني في الذين ظلموا إنهم مغرقون } ، بالطوفان ، قيل : معناه لا تخاطبني في إمهال الكفار ، فإني قد حكمت بإغراقهم . وقيل : لا تخاطبني في ابنك كنعان وامرأتك واعلة فإنهما هالكان مع القوم . وفى القصة أن جبريل أتى نوحا عليه السلام فقال : إن ربك عز وجل يأمرك أن تصنع الفلك ، قال : كيف أصنع ولست بنجار ؟ فقال : إن ربك يقول اصنع فإنك بعيني ، فأخذ القدوم وجعل يصنع ولا يخطئ . وقيل : أوحى الله إليه أن يصنعها مثل جؤجؤ الطائر .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَٱصۡنَعِ ٱلۡفُلۡكَ بِأَعۡيُنِنَا وَوَحۡيِنَا وَلَا تُخَٰطِبۡنِي فِي ٱلَّذِينَ ظَلَمُوٓاْ إِنَّهُم مُّغۡرَقُونَ} (37)

{ وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا } أي : بحفظنا ، ومرأى منا ، وعلى مرضاتنا ، { وَلَا تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا } أي : لا تراجعني في إهلاكهم ، { إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ } أي : قد حق عليهم القول ، ونفذ فيهم القدر .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَٱصۡنَعِ ٱلۡفُلۡكَ بِأَعۡيُنِنَا وَوَحۡيِنَا وَلَا تُخَٰطِبۡنِي فِي ٱلَّذِينَ ظَلَمُوٓاْ إِنَّهُم مُّغۡرَقُونَ} (37)

25

( واصنع الفلك بأعيننا ووحينا ) . .

برعايتنا وتعليمنا .

( ولا تخاطبني في الذين ظلموا ، إنهم مغرقون ) . .

فقد تقرر مصيرهم وانتهى الأمر فيهم . فلا تخاطبني فيهم . . لا دعاء بهدايتهم ، ولا دعاء عليهم - وقد ورد في موضع آخر أنه حين يئس منهم دعا عليهم ، والمفهوم أن اليأس كان بعد هذا الوحي - فمتى انتهى القضاء امتنع الدعاء . .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{وَٱصۡنَعِ ٱلۡفُلۡكَ بِأَعۡيُنِنَا وَوَحۡيِنَا وَلَا تُخَٰطِبۡنِي فِي ٱلَّذِينَ ظَلَمُوٓاْ إِنَّهُم مُّغۡرَقُونَ} (37)

{ وَاصْنَعِ الْفُلْكَ } يعني : السفينة { بِأَعْيُنِنَا } أي : بمرأى منا ، { وَوَحْيِنَا } أي : وتعليمنا لك ماذا تصنعه ، { وَلا تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ } .

فقال بعض السلف : أمره الله تعالى أن يغرِز{[14584]} الخشب ويقطِّعه وييبسه ، فكان ذلك في مائة سنة ، ونَجَرها في مائة سنة أخرى ، وقيل : في أربعين سنة ، فالله{[14585]} أعلم .

وذكر محمد بن إسحاق عن التوراة : أن الله أمره أن يصنعها من خشب الساج ، وأن يجعل طولها ثمانين ذراعا وعرضها خمسين ذراعا .

وأن يطلي باطنها وظاهرها بالقار ، وأن يجعل لها جؤجؤا أزور يشق الماء . وقال قتادة : كان طولها ثلاثمائة ذراع ، في عرض خمسين .

وعن الحسن : طولها ستمائة ذراع وعرضها ثلاثمائة ذراع .

وعنه مع ابن عباس : طولها ألف ومائتا ذراع ، في عرض ستمائة .

وقيل : طولها ألفا ذراع ، وعرضها مائة ذراع ، فالله أعلم .

قالوا كلهم : وكان ارتفاعها في السماء ثلاثين ذراعا ، ثلاث طبقات ، كل طبقة عشرة أذرع ، فالسفلى للدواب والوحوش : والوسطى للإنس : والعليا للطيور . وكان بابها في عرضها ، ولها غطاء من فوقها مطبق عليها .

وقد ذكر الإمام أبو جعفر بن جرير أثرا غريبا ، من حديث علي بن زيد بن جُدْعَان ، عن يوسف بن مِهْران ، عن عبد الله بن عباس ؛ أنه قال : قال الحواريون لعيسى ابن مريم : لو بعثت لنا رجلا شهد السفينة فحدّثنا عنها . قال : فانطلق بهم حتى أتى{[14586]} إلى كَثيب من تراب ، فأخذ كفا من ذلك التراب بكفه ، قال{[14587]} أتدرون ما هذا ؟ قالوا : الله ورسوله أعلم ، قال : هذا كعب{[14588]} حام بن نوح . قال : وضرب الكثيب بعصاه ، قال : قم بإذن الله فإذا هو قائم ينفُض التراب عن رأسه ، قد شاب . قال له عيسى ، عليه السلام : هكذا هلكت ؟ قال : لا . ولكني متّ وأنا شابّ ، ولكنني ظننت أنها الساعة ، فمن ثمَّ شبت . قال : حدِّثنا عن سفينة نوح ؟ قال : كان طولها ألف ذراع ومائتي{[14589]} ذراع ، وعرضها ستمائة ذراع ، وكانت ثلاث طبقات ، فطبقة فيها الدواب والوحوش ، وطبقة فيها الإنس ، وطبقة فيها الطير ، فلما كثر أرواث الدواب ، أوحى الله عز وجل إلى نوح ، عليه السلام ، أن اغمز ذَنَب الفيل ، فغمزه ، فوقع منه خنزير وخنزيرة ، فأقبلا على الروث ، فلما وقع الفأر بخَرَزِ السفينة يقرضه وحبالها ، أوحى إلى نوح ؛ أن اضرب بين عيني الأسد ، فخرج من منخره سنَّور وسنورة ، فأقبلا على الفأر . فقال له عيسى ، عليه السلام : كيف علم نوح أن البلاد قد غرقت ؟ قال : بعث الغراب يأتيه بالخبر ، فوجد جيفة فوقع عليها ، فدعا عليه بالخوف ، فلذلك لا يألف البيوت قال : ثم بعث الحمامة ، فجاءت بورق زيتون بمنقارها ، وطين برجليها ، فعلم أن البلاد قد غَرِقت . قال : فطوّقَها الخضرة التي في عنقها ، ودعا لها أن تكون في أنس وأمان ، فمن ثم تألف البيوت . قال : فقلنا : يا رسول الله ، ألا ننطلق به{[14590]} إلى أهلينا فيجلس معنا ويحدثنا ؟ قال : كيف يتبعكم من لا رزق له ؟ قال : فقال له : عد بإذن الله ، فعاد ترابا{[14591]}


[14584]:- في أ : "يغرس".
[14585]:- في ت : "والله".
[14586]:- في ت ، أ : "انتهى".
[14587]:- في أ : "فقال".
[14588]:- في أ : "قبر".
[14589]:- في أ : "ومائتا".
[14590]:- في أ : "بنا".
[14591]:- تفسير الطبري (15/311).
 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{وَٱصۡنَعِ ٱلۡفُلۡكَ بِأَعۡيُنِنَا وَوَحۡيِنَا وَلَا تُخَٰطِبۡنِي فِي ٱلَّذِينَ ظَلَمُوٓاْ إِنَّهُم مُّغۡرَقُونَ} (37)

{ واصنع الفلك بأعيُننا } ملتبسا بأعيننا ، عبر بكثرة آلة الحس الذي يحفظ به الشيء ويراعى عن الاختلال والزيغ عن المبالغة في الحفظ والرعاية على طريق التمثيل . { ووحينا } إليك كيف تصنعها . { ولا تخاطبني في الذين ظلموا } ولا تراجعني فيهم ولا تدعني باستدفاع العذاب عنهم . { إنهم مُغرقون } محكوم عليهم بالإغراق فلا سبيل إلى كفه .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَٱصۡنَعِ ٱلۡفُلۡكَ بِأَعۡيُنِنَا وَوَحۡيِنَا وَلَا تُخَٰطِبۡنِي فِي ٱلَّذِينَ ظَلَمُوٓاْ إِنَّهُم مُّغۡرَقُونَ} (37)

وقوله تعالى : { واصنع الفلك } عطف على قوله : { فلا تبتئس } و { الفلك } : السفينة ، وجمعها أيضاً فلك ، وليس هو لفظاً للواحد والجمع وإنما هو فعل وجمع على فعل ومن حيث جاز أن يجمع فعل على فعل كأسد وأسد ، جاز أن يجمع فعل على فعل ، فظاهر لفظ الجمع فيها كظاهر لفظ واحد وليس به ، تدل على ذلك درجة التثنية التي بينهما لأنك تقول : فلك وفلكان وفلك ، فالحركة في الجمع نظير ضمة الصاد إذا ناديت «يا منصو » ، تريد «يا منصور » ، فرخمت على لغة من يقول : يا حار بالضم ، فإن ضمة الصاد هي في اللفظ كضمة الأصل ، وليست بها في الحكم .

وقوله : { بأعيننا } يمكن - فيما يتأول - أن يريد به بمرأى منا وتحت إدراك ، فتكون عبارة عن الإدراك والرعاية والحفظ ، ويكون جمع الأعين للعظمة لا للتكثير كما قال تعالى : { فنعم القادرون }{[6326]} فرجع معنى الأعين في هذه وفي غيرها إلى معنى عين في قوله : { لتصنع على عيني }{[6327]} ، وذلك كله عبارة عن الإدراك وإحاطته بالمدركات ، وهو تعالى منزه عن الحواس والتشبيه والتكييف لا رب غيره . ويحتمل قوله { بأعيننا } أي بملائكتنا الذين جعلناهم عيوناً على مواضع حفظك ومعونتك ، فيكون الجمع على هذا للتكثير .

وقرأ طلحة بن مصرف «بأعينا » مدغماً .

وقوله { ووحينا } معناه : وتعليمنا لك صورة العمل بالوحي ، وروي في ذلك أن نوحاً عليه السلام لما جهل كيفية صنع السفينة أوحى الله إليه : أن اصنعها على مثال جؤجؤ الطير ، إلى غير ذلك مما عمله نوح من عملها ، فقد روي أيضاً أنها كانت مربعة الشكل طويلة في السماء ، ضيقة الأعلى ، وأن الغرض منها إنما كان الحفظ لا سرعة الجري ، والحديث الذي تضمن أنها كجؤجؤ الطائر أصح ومعناه أظهر : لأنها لو كانت مربعة لم تكن فلكاً بل كانت وعاء فقط ، وقد وصفها الله تعالى بالجري في البحر ، وفي الحديث : ( كان راز سفينة نوح عليه السلام جبريل عليه السلام ) والراز : القيم بعمل السفن{[6328]} . ومن فسر قوله { ووحينا } أي بأمرنا لك ، فذلك ضعيف لأن قوله : { واصنع الفلك } مغن عن ذلك . و { الذين ظلموا } هم قومه الذين أعرضوا عن الهداية حتى عمتهم النقمة ، قال ابن جريج : وهذه الآية تقدم الله{[6329]} فيها إلى نوح أن لا يشفع فيهم .


[6326]:- من الآية (23) من سورة (المرسلات)، ومثلها قوله تعالى: {فنعم الماهدون} وقوله سبحانه: {وإنا لموسعون}.
[6327]:- من الآية (39) من سورة طه.
[6328]:- في "اللسان": "الرّاز: رأس البنّائين، لأنه يروز الحجر واللبن، والجمع الرّازة، وقد يستعمل ذلك لرأس كل صناعة، من: راز يروز إذا امتحن عمله فحذقه". وأصل "الراز": الرائز. (وراجع النهاية لابن الأثير).
[6329]:- يقال: تقدم إلى فلان بكذا: أمره به أو طلب منه. (المعجم الوسيط).
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَٱصۡنَعِ ٱلۡفُلۡكَ بِأَعۡيُنِنَا وَوَحۡيِنَا وَلَا تُخَٰطِبۡنِي فِي ٱلَّذِينَ ظَلَمُوٓاْ إِنَّهُم مُّغۡرَقُونَ} (37)

لما كان نهيه عن الابتئاس بفعلهم مع شدة جرمهم مؤذناً بأن الله ينتصر له ، أعقبه بالأمر بصنع الفلك لتهيئة نجاته ونجاة من قد آمن به من العذاب الذي قدره الله لقومه ، كما حكى الله عنه { فدعا ربّه أني مغلوبٌ فانتصر ففتحنا أبواب السماء بماءٍ منهمرٍ } [ القمر : 10 ، 11 ] الآية ، فجملة { واصنع الفلك } عطف على جملة { فلا تبتئس } [ هود : 36 ] وهي بذلك داخلة في الموحى به فتدل على أن الله أوحى إليه كيفية صنع الفلك كما دل عليه قوله : { ووَحينا } ، ولذلك فنوح عليه السّلام أول من صنع الفلك ولم يكن ذلك معروفاً للبشر ، وكان ذلك منذ قرون لا يحصيها إلاّ الله تعالى ، ولا يعتد بما يوجد في الإسرائيليات من إحصاء قرونها .

والفلك اسم يستوي فيه المفرد والجمع . وقد تقدم عند قوله تعالى : { والفلك التي تجري في البحر بما ينفع الناس } في سورة البقرة ( 164 ) .

( والباء في بأعيننا } للملابسة وهي في موضع الحال من ضمير ( اصنع ) .

والأعين استعارة للمراقبة والملاحظة . وصيغة الجمع في { أعيننا } بمعنى المثنى ، أي بعينينا ، كما في قوله : { واصبر لحكم ربك فإنك بأعيننا } [ الطور : 48 ] . والمراد الكناية بالمعنى المجازي عن لازمه وهو الحفظ من الخلل والخَطأ في الصنع .

والمراد بالوحي هنا الوحي الذي به وصف كيفية صنع الفلك كما دل عليه عطفه على المجرور بباء الملابسة المتعلقة بالأمر بالصنع .

ودل النهي في قوله : { ولا تخاطبني في الذين ظلموا } ، على أن كفار قومه سينزل بهم عقاب عظيم لأن المراد بالمخاطبة المنهي عنها المخاطبة التي ترفع عقابهم فتكون لنفعهم كالشفاعة ، وطلب تخفيف العقاب لا مطلق المخاطبة . ولعل هذا توطئة لنهيه عن مخاطبته في شأن ابنه الكافر قبل أن يخطر ببال نوح عليه السلام سؤال نجاته حتى يكون الرد عليه حين السؤال ألَطَف .

وجملة { إنهم مغرقون } إخبار بما سيقع وبيان لسبب الأمر بصنع الفلك . وتأكيد الخبر بحرف التوكيد في هذه الآية مثال لتخريج الكلام على خلاف مقتضى الظاهر بتنزيل غير السائل المتردد منزلة السائل إذا قدم إليه من الكلام ما يلوّح إلى جنس الخبر فيستشرفه لتعيينه استشرافاً يشبه استشراف السائل عن عين الخبر .