فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{وَٱصۡنَعِ ٱلۡفُلۡكَ بِأَعۡيُنِنَا وَوَحۡيِنَا وَلَا تُخَٰطِبۡنِي فِي ٱلَّذِينَ ظَلَمُوٓاْ إِنَّهُم مُّغۡرَقُونَ} (37)

ثم إن الله سبحانه لما أخبره أنهم لا يؤمنون البتة عرفه الله هلاكهم وألهمه الأمر الذي يكون به خلاصه وخلاص من آمن معه فقال { واصنع الفلك } الظاهر أنه أمر إيجاب لأنه لا سبيل إلى صون روح نفسه وأرواح غيره من الهلاك إلا بهذا الطريق وصون النفس من الهلاك واجب ، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب ، أي اعمل السفينة متلبسا { بأعيننا } أي بمرأى منا وبأبصارنا لك وهو مجاز عن كلاء الله له بالحفظ وعبر بالأعين عن ذلك لأنها آلة الرؤية وهي التي بها الحراسة والحفظ في الغالب .

وقيل بعلمنا لك وجمع الأعين للمبالغة والتعظيم لا التكثير وقيل معناها بأعين ملائكتنا الذين جعلناهم عيونا على حفظك وقيل بأمرنا ، والحق أن العين صفة من صفاته لا ندري كيفيتها فيجب إمرارها على ظاهرها من دون تأويل ولا تعطيل ولا تشبيه ولا تمثيل ولا تقدير .

ومعنى { ووحينا } بما أوحينا إليك من كيفية صنعتها وقال ابن عباس : بعين الله ووجهه ولم يعلم نوح كيف يصنع الفلك فأوحى الله إليه أن يصنعها مثل جؤجؤ الطائر .

{ ولا تخاطبي في الذين ظلموا } قيل هم امرأته وابنه أي لا تطلب إمهالهم وترك إهلاكهم أي لا تراجعني ولا تدعني باستدفاع العذاب عنهم فقد حان وقت الانتقام منهم { إنهم مغرقون } تعليل لما قبله أي فإنهم محكوم منا عليهم بالغرق وقد مضى به القضاء فلا سبيل على دفعه ولا تأخيره وقيل المعنى ولا تخاطبني في تعجيل عقابهم فإنهم مغرقون في الوقت المضروب لذلك لا يتأخر إغراقهم عنه .