قوله تعالى : { وآت ذا القربى حقه } ، يعني صلة الرحم ، وأراد به : قرابة الإنسان ، وعليه الأكثرون . عن علي بن الحسين : أراد به قرابة الرسول صلى الله عليه وسلم . { والمسكين وابن السبيل ولا تبذر تبذيراً } أي : لا تنفق مالك في المعصية . وقال مجاهد : لو أنفق الإنسان ماله كله في الحق ما كان تبذيراً ، ولو أنفق مداً في باطل كان تبذيراً . وسئل ابن مسعود عن التبذير فقال : إنفاق المال في غير حقه . قال شعبة : كنت أمشي مع أبي إسحاق في طريق الكوفة ، فأتى على باب دار بني بجص وآجر ، فقال : هذا التبذير . وفي قول عبد الله : إنفاق المال من غير حقه .
{ 26-30 } { وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا * إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا * وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ ابْتِغَاءَ رَحْمَةٍ مِنْ رَبِّكَ تَرْجُوهَا فَقُلْ لَهُمْ قَوْلًا مَيْسُورًا * وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا * إِنَّ رَبَّكَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا }
يقول تعالى : { وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ } من البر والإكرام الواجب والمسنون وذلك الحق يتفاوت بتفاوت الأحوال والأقارب والحاجة وعدمها والأزمنة .
{ وَالْمِسْكِينَ } آته حقه من الزكاة ومن غيرها لتزول مسكنته { وَابْنَ السَّبِيلِ } وهو الغريب المنقطع به عن بلده ، فيعطي الجميع من المال على وجه لا يضر المعطي ولا يكون زائدا على المقدار اللائق فإن ذلك تبذير قد نهى الله عنه وأخبر :
ثم يمضي السياق بعد الوالدين إلى ذوي القربى أجمعين ؛ ويصل بهم المساكين وابن السبيل ، متوسعا في القرابات حتى تشمل الروابط الإنسانية بمعناها الكبير :
( وآت ذا القربى حقه والمسكين وابن السبيل ولا تبذر تبذيرا ، إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين ، وكان الشيطان لربه كفورا ؛ وإما تعرضن عنهم ابتغاء رحمة من ربك ترجوها ، فقل لهم قولا ميسورا ) .
والقرآن يجعل لذي القربى والمسكين وابن السبيل حقا في الأعناق يوفى بالإنفاق . فليس هو تفضلا من أحد على أحد ؛ إنما هو الحق الذي فرضه الله ، ووصله بعبادته وتوحيده . الحق الذي يؤديه المكلف فيبريء ذمته ، ويصل المودة بينه وبين من يعطيه ، وإن هو إلا مؤد ما عليه لله .
وينهى القرآن عن التبذير . والتبذير - كما يفسره ابن مسعود وابن عباس - الإنفاق في غير حق . وقال مجاهد : لو أنفق إنسان ماله كله في الحق لم يكن مبذرا ، ولو أنفق مدا في غير حق كان مبذرا .
لما ذكر تعالى بر الوالدين ، عطف بذكر الإحسان إلى القرابة وصلة الأرحام ، كما تقدم في الحديث : " أمك وأباك ، ثم أدناك أدناك " وفي رواية : " ثم الأقرب فالأقرب " .
وفي الحديث : " من أحب أن يبسط له رزقه{[17427]} وينسأ له في أجله ، فليصل رحمه " {[17428]} .
وقال الحافظ أبو بكر البزار : حدثنا عباد بن يعقوب ، حدثنا أبو يحيى التيمي{[17429]} حدثنا فضيل بن مرزوق ، عن عطية ، عن أبي سعيد قال لما نزلت ، هذه الآية { وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ } دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم فاطمة فأعطاها " فدك " . ثم قال : لا نعلم حدث به عن فضيل بن مرزوق إلا أبو يحيى التيمي{[17430]} وحميد بن حماد بن أبي الخوار{[17431]} {[17432]} .
وهذا الحديث مشكل لو صح إسناده ؛ لأن الآية مكية ، وفدك إنما فتحت مع خيبر سنة سبع من الهجرة فكيف يلتئم هذا مع هذا ؟ !
وقد تقدم الكلام على المساكين وابن السبيل في " سورة براءة " بما أغنى عن إعادته هاهنا .
قوله [ تعالى ]{[17433]} { وَلا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا } لما أمر بالإنفاق نهى عن الإسراف فيه ، بل يكون وسطًا ، كما قال في الآية الأخرى : { وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا } [ الفرقان : 67 ] .
{ وآت ذا القربى حقّه } من صلة الرحم وحسن المعاشرة والبر عليهم . وقال أبو حنيفة : حقهم إذا كانوا محارم فقراء أن ينفق عليهم . وقيل المراد بذي القربى أقارب الرسول صلى الله عليه وسلم . { والمسكين وابن السبيل ولا تبذّر تبذيرا } بصرف المال فيما لا ينبغي وإنفاقه على وجه الإسراف ، وأصل التبذير التفريق . " وعن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لسعد وهو يتوضأ : ما هذا السرف قال : أو في الوضوء سرف قال : نعم وإن كنت على نهر جار " .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.