تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته  
{وَءَاتِ ذَا ٱلۡقُرۡبَىٰ حَقَّهُۥ وَٱلۡمِسۡكِينَ وَٱبۡنَ ٱلسَّبِيلِ وَلَا تُبَذِّرۡ تَبۡذِيرًا} (26)

{ وآت ذا القربى حقه والمسكين وابن السبيل ولا تبذّر تبذيرا ( 26 ) إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين وكان الشيطان لربه كفورا27 )

26

التفسير :

26- { وآت ذا القربى حقه . . . }

يفيد : أن للقريب حقا في مال قريبه كما أن صلة الرحم سبب في سعة الرزق وكثرة العدد والبركة والنماء ففي الحديث الشريف ( من أحب أن يبسط له في رزقه ويسأله في أجله ؛ فليصل رحمه ){[375]} .

وقال عليه السلام : الصدقة على المساكين صدقة وعلى ذي الرحم ثنتان ){[376]} .

ولما أراد أبو طلحة أن يتصدق بحائط كان له ؛ عملا بقوله تعالى : { لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون } ( أل عمران : 92 ) . قال : يا رسول الله ، هو في سبيل الله والفقراء والمساكين فقال عليه السلام : ( وجب أجرك على الله فاقسمه في أقاربك ){[377]} وإيتاء ذي القربى حقه يكون بالصدقة وصلة الرحم وحسن المعاشرة والإنفاق عليه .

والمسكين أي : الفقير من الأباعد ، فالصدقة على المسكين القريب صدقة وصلة رحم ، وعلى المسكين البعيد صدقة فقط .

وابن السبيل أي : المسافر الذي انقطع به الطريق فيجب إعانته ومساعدته على سفره حتى يصل إلى مقصده .

ولا تبذر تبذيرا أي : بوجه من الوجوه بالإنفاق في محرم أو مكروه أو على من لا يستحق .

وفي الكشاف :

كانت الجاهلية تنحر إبلها وتتياسر{[378]} عليها وتبذر أموالها في الفخر والسمعة ، وتذكر ذلك في أشعارها ، فأمر الله بالنفقة في وجوهها مما يقرب منه ويزلف .

والتبذير هو إنفاق المال في وجوه الملذات والشهوات فهو تبذير النعمة وتوجيهها في غير الوجه السليم أما إنفاق المال في الخير والبر ومساعدة المحتاجين . فهو نعمة محمودة ، فنعم المال الصالح للرجل الصالح .

قال عثمان بن الأسود : كنت أطوف في المساجد مع مجاهد حول الكعبة فرفع رأسه إلى أبي قبيس ( جبل بمكة ) وقال : لو أن رجلا أنفق مثل هذا في الله لم يكن من المسرفين ، ولو أنفق درهما واحدا في معصية الله كان من المسرفين ، وأنفق بعضهم نفقة في خير وأكثر فقيل له : لا خير في الإسراف فقال : لا إسراف في الخير .

وروى أحمد عن أنس بن مالك : أنه قال : أتى رجل من تميم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله ، إني ذو مال كثير وذو أهل وولد وحاضرة فأخبرني كيف أنفق وكيف أصنع ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( تخرج الزكاة من مالك إن كان فإنها طهرة تطهرك ، وتصل أقرباءك وتعرف ح الجار والمسكين ) .

فقال : يا رسول الله ، أقلل لي ، قال : { فآت ذا القربى حقه والمسكين وابن السبيل ولا تبذر تبذيرا } ، فقال : حسبي يا رسول الله إذا أديت الزكاة إلى رسولك فقد برأت منها إلى الله ورسوله ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( نعم إذا أديتها إلى رسولي فقد برأت منها ولك أجرها وإثمها على من بدلها ) .

وقال ابن مسعود : التبذير : الإنفاق في غير حق .

وعن علي كرم الله وجهه قال : ما أنفقت على نفسي وأهل بيتك في غير سرف ولا تبذير وما تصدقت ؛ فلك ، وما أنفقت رياء وسمعة ؛ فذلك حظ الشيطان .


[375]:- من سره أن يبسط له في رزقه أو ينسأ له: رواه البخاري في البيوع (2067) وفي الأدب (5985، 5986) ومسلم في البر والصلة (2557) وأبو داود في الزكاة (1693) (12178، 13173) من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (من سره أن يبسط في رزقه أو ينسأ له في أثره؛ فليصل رحمه).
[376]:65- رواه أبو داود في الصوم (2355) والترمذي في الزكاة (658) وابن ماجة في الصيام (1699) وأحمد في مسنده (15792) من حديث سلمان بن عامر يبلغ به النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا أفطر أحدكم فليفطر على تمر فإنه بركة فإن لم يجد تمرا فالماء فإنه طهور- وقال- الصدقة على المسكين صدقة وهي على ذي الرحم ثنتان: صدقة وصلة). وقال الترمذي: حديث حسن. وقال في الآخر: حسن صحيح.
[377]:- أرى أن تجعلها في الأقربين: رواه البخاري في الزكاة (1461) وفي الوكالة (2318) وفي الوصايا (2769) وفي التفسير (4555) وفي الأشربة (5611) ومسلم في الزكاة (998) من حديث أنس بن مالك رضي الله عنهم قال: كان أبو طلحة أكثر الأنصار بالمدينة مالا من نخل وكان أحب أمواله إليه بيرحاء وكانت مستقبلة المسجد وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدخلها ويشرب من ماء فيها طيب قال أنس: فلما أنزلت هذه الآية {لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون} قال أبو طلحة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إن الله تبارك وتعالى يقول: {لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون وإن أحب أموالي إلى بيرحاء وإنها صدقة لله أرجو برها وذخرها عند الله فضعها يا رسول الله حيث أراك الله قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (بخ! ذلك مال رابح ذلك مال رابح، وقد سمعت ما قلت وإني أرى أن تجعلها في الأقربين) فقال أبو طلحة: أفعل يا رسول الله. فقسمها أبو طلحة في أقاربه وبني عمه.
[378]:- أي: تلعب المسير عليها فمن خسر اللعب دفع ثمن الإبل ثم وزعت على الفقراء.