البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{وَءَاتِ ذَا ٱلۡقُرۡبَىٰ حَقَّهُۥ وَٱلۡمِسۡكِينَ وَٱبۡنَ ٱلسَّبِيلِ وَلَا تُبَذِّرۡ تَبۡذِيرًا} (26)

التبذير الإسراف قاله أبو عبيدة يعني في النفقة ، وأصله التفريق ومنه سمي البذر بذراً لأنه يفرق في المزرعة .

وقال الشاعر :

ترائب يستضيء الحلي فيها . . . ***كجمر النار بذر بالظلام

ويروى بدد أي فرق .

لما أمر تعالى ببر الوالدين أمر بصلة القرابة .

قال الحسن : نزلت في قرابة الرسول صلى الله عليه وسلم ، والظاهر أنه خطاب لمن خوطب بقوله { إمّا يبلغنّ عندك الكبر } وألحق هنا ما يتعين له من صلة الرحم ، وسد الخلة ، والمواساة عند الحاجة بالمال والمعونة بكل وجه .

قال نحوه ابن عباس وعكرمة والحسن وغيرهم .

وقال عليّ بن الحسين فيها : هم قرابة الرسول عليه السلام ، أمر بإعطائهم حقوقهم من بيت المال ، والظاهر أن الحق هنا مجمل وأن { ذا القربى } عام في ذي القرابة فيرجع في تعيين الحق وفي تخصيص ذي القرابة إلى السنة .

وعن أبي حنيفة : إن القرابة إذا كانوا محارم فقراء عاجزين عن التكسب وهو موسر حقهم أن ينفق عليهم .

وعند الشافعي : ينفق على الولد والوالدين فحسب على ما تقرر في كتب الفقه .

ونهى تعالى عن التبذير وكانت الجاهلية تنحر إبلها وتتياسر عليها وتبذر أموالها في الفخر والسمعة وتذكر ذلك في أشعارها ، فنهى الله تعالى عن النفقة في غير وجوه البر وما يقرب منه تعالى .

وعن ابن مسعود وابن عباس : التبذير إنفاق المال في غير حق .

وقال مجاهد : لو أنفق ماله كله في حق ما كان مبذراً .

وذكر الماوردي أنه الإسراف المتلف للمال ، وقد احتج بهذه الآية على الحجر على المبذر ، فيجب على الإمام منعه منه بالحَجْر والحيلولة بينه وبين ماله إلاّ بمقدار نفقة مثله ، وأبو حنيفة لا يرى الحجر للتبذير وإن كان منهياً عنه .

وقال القرطبي : يحجر عليه إن بذله في الشهوات وخيف عليه النفاد ، فإن أنفق وحفظ الأصل فليس بمبذر وإخوة الشياطين كونهم قرناءهم في الدنيا وفي النار في الآخرة ، وتدل هذه الأخوة على أن التبذير هو في معصية الله أو كونهم يطيعونهم فيما يأمرونهم به من الإسراف في الدنيا .