معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{بَلَىٰۚ مَنۡ أَوۡفَىٰ بِعَهۡدِهِۦ وَٱتَّقَىٰ فَإِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلۡمُتَّقِينَ} (76)

قوله تعالى : { بلى } أي : ليس كما قالوا بل عليهم سبيل ، ثم ابتدأ .

قوله تعالى : { من أوفى } أي : ولكن من أوفى .

قوله تعالى : { بعهده } أي : بعهد الله الذي عهد إليه في التوراة من الإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم والقرآن وأداء الأمانة ، وقيل الهاء في عهده راجعة إلى الموفي .

قوله تعالى : { واتقى } الكفر والخيانة ونقض العهد .

قوله تعالى : { فإن الله يحب المتقين } .

أخبرنا عبد الواحد المليحي أنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، أنا محمد بن يوسف ، أنا محمد بن إسماعيل ، أنا قبيصة بن عقبة ، أنا سفيان عن الأعمش عن عبد الله بن مرة عن مسروق عن عبد الله بن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " أربع من كن فيه كان منافقاً خالصاً ، ومن كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها ، إذا ائتمن خان ، وإذا حدث كذب ، وإذا عاهد غدر ، وإذا خاصم فجر " .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{بَلَىٰۚ مَنۡ أَوۡفَىٰ بِعَهۡدِهِۦ وَٱتَّقَىٰ فَإِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلۡمُتَّقِينَ} (76)

ثم رد عليهم زعمهم الفاسد فقال { بلى } أي : ليس الأمر كما تزعمون أنه ليس عليكم في الأميين حرج ، بل عليكم في ذلك أعظم الحرج وأشد الإثم .

{ من أوفى بعهده واتقى } والعهد يشمل العهد الذي بين العبد وبين ربه ، وهو جميع ما أوجبه الله على العبد من حقه ، ويشمل العهد الذي بينه وبين العباد ، والتقوى تكون في هذا الموضع ، ترجع إلى اتقاء المعاصي التي بين العبد وبين ربه ، وبينه وبين الخلق ، فمن كان كذلك فإنه من المتقين الذين يحبهم الله تعالى ، سواء كانوا من الأميين أو غيرهم ، فمن قال ليس علينا في الأميين سبيل ، فلم يوف بعهده ولم يتق الله ، فلم يكن ممن يحبه الله ، بل ممن يبغضه الله .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{بَلَىٰۚ مَنۡ أَوۡفَىٰ بِعَهۡدِهِۦ وَٱتَّقَىٰ فَإِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلۡمُتَّقِينَ} (76)

65

هنا نجد القرآن الكريم يقرر قاعدته الخلقية الواحدة ، وميزانه الخلقي الواحد . ويربط نظرته هذه بالله وتقواه :

( بلى من أوفى بعهده واتقى فإن الله يحب المتقين . إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا ، أولئك لا خلاق لهم في الآخرة ، ولا يكلمهم الله ولا ينظر إليهم يوم القيامة ، ولا يزكيهم . ولهم عذاب أليم ) . .

فهي قاعدة واحدة من راعاها وفاء بعهد الله وشعورا بتقواه أحبه الله وأكرمه . ومن اشترى بعهد الله وبأيمانه ثمنا قليلا - من عرض هذه الحياة الدنيا أو بالدنيا كلها وهي متاع قليل - فلا نصيب له في الآخرة . ولا رعاية له عند الله ولا قبول ، ولا زكاة له ولا طهارة . وإنما هو العذاب الأليم .

ونلمح هنا أن الوفاء بالعهد مرتبط بالتقوى . ومن ثم لا يتغير في التعامل مع عدو أو صديق . فليس هو مسألة مصلحة . إنما هو مسألة تعامل مع الله أبدا . دونما نظر إلى من يتعامل معهم .

وهذه هي نظرية الإسلام الأخلاقية بصفة عامة . في الوفاء بالعهد وفي سواه من الأخلاق : التعامل هو أولا تعامل مع الله ، يلحظ فيه جناب الله ، ويتجنب به سخطه ويطلب به رضاه . فالباعث الأخلاقي ليس هو المصلحة ؛ وليس هو عرف الجماعة ، ولا مقتضيات ظروفها القائمة . فإن الجماعة قد تضل وتنحرف ، وتروج فيها المقاييس الباطلة . فلا بد من مقياس ثابت ترجع إليه الجماعة كما يرجع إليه الفرد على السواء . ولا بد أن يكون لهذا المقياس فوق ثباته قوة يستمدها من جهة أعلى . . أعلى من اصطلاح الناس ومن مقتضيات حياتهم المتغيرة . . ومن ثم ينبغي أن تستمد القيم والمقاييس من الله ؛ بمعرفة ما يرضيه من الأخلاق والتطلع إلى رضاه والشعور بتقواه . . بهذا يضمن الإسلام تطلع البشرية الدائم إلى أفق أعلى من الأرض ؛ واستمدادها القيم والموازين من ذلك الأفق الثابت السامق الوضيء .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{بَلَىٰۚ مَنۡ أَوۡفَىٰ بِعَهۡدِهِۦ وَٱتَّقَىٰ فَإِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلۡمُتَّقِينَ} (76)

ثم قال تعالى : { بَلَى مَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ وَاتَّقَى } أي : لكن من أوفى بعهده منكم يا أهل الكتاب الذي عاهدكم الله عليه ، من الإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم إذا بعث ، كما أخذ العهد والميثاق على الأنبياء وأممهم بذلك ، واتقى محارم الله تعالى واتبع طاعته وشريعته التي بعث بها خاتم رسله{[5204]} وسيد البشر " فَإِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ " .


[5204]:في جـ، ر، أ، و: "الرسل".
 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{بَلَىٰۚ مَنۡ أَوۡفَىٰ بِعَهۡدِهِۦ وَٱتَّقَىٰ فَإِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلۡمُتَّقِينَ} (76)

{ بلى } إثبات لما نفوه أي بلى عليهم فيهم سبيل . { من أوفى بعهده واتقى فإن الله يحب المتقين } استئناف مقرر للجملة التي سدت { بلى } مسدها ، والضمير المجرور لمن أو لله وعموم المتقين ناب عن الراجع من الجزاء إلى { من } ، وأشعر بأن التقوى ملاك الأمر وهو يعم الوفاء وغيره من أداء الواجبات والاجتناب عن المناهي .