قوله تعالى : { ولقد أرسلنا رسلاً من قبلك } ، روي أن اليهود ، وقيل : إن المشركين- قالوا : إن هذا الرجل ليست له همة إلا في النساء فأنزل الله تعالى : { ولقد أرسلنا رسلاً من قبلك وجعلنا لهم أزواجاً وذريةً } ، وما جعلناهم ملائكة لا يأكلون ولا يشربون ولا ينكحون . { وما كان لرسول أن يأتي بآية إلا بإذن الله } ، هذا جواب عبد الله بن أبي أمية . ثم قال : { لكل أجل كتاب } ، يقول لكل أمر قضاه الله كتاب قد كتبه فيه ووقت يقع فيه . وقيل : لكل آجل أجله الله كتاب أثبت فيه . وقيل فيه تقديم وتأخير ، تقديره : أي ، لكل كتاب أجل ومدة ، أي : الكتب المنزلة لكل واحد منها وقت ينزل فيه .
{ 38 - 39 } { وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجًا وَذُرِّيَّةً وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ * يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ }
أي : لست أول رسول أرسل إلى الناس حتى يستغربوا رسالتك ، { وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجًا وَذُرِّيَّةً } فلا يعيبك أعداؤك بأن يكون لك أزواج وذرية ، كما كان لإخوانك المرسلين ، فلأي شيء يقدحون فيك بذلك وهم يعلمون أن الرسل قبلك كذلك ؛ إلا لأجل أغراضهم الفاسدة وأهوائهم ؟ وإن طلبوا منك آية اقترحوها فليس لك من الأمر شيء .
{ وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ } والله لا يأذن فيها إلا في وقتها الذي قدره وقضاه ، { لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ } لا يتقدم عليه ولا يتأخر عنه ، فليس استعجالهم بالآيات أو بالعذاب موجبا لأن يقدم الله ما كتب أنه يؤخر مع أنه تعالى فعال لما يريد .
وإذا كان هناك اعتراض على بشرية الرسول فقد كان الرسل كلهم بشرا :
( ولقد أرسلنا رسلا من قبلك ، وجعلنا لهم أزواجا وذرية ) . .
وإذا كان الاعتراض بأنه لم يأت بخارقة مادية ، فذلك ليس من شأنه إنما هو شأن الله :
( وما كان لرسول أن يأتي بآية إلا بإذن الله ) . .
وفق ما تقتضيه حكمته وعندما يشاء .
وإذا كان هناك خلاف جزئي بين ما أنزل على الرسول وما عليه أهل الكتاب ، فإن لكل فترة كتابا ، وهذا هو الكتاب الأخير :
يقول تعالى : وكما أرسلناك ، يا محمد ، رسولا بشريا{[15690]} كذلك [ قد ]{[15691]} بعثنا المرسلين قبلك بَشَرًا يأكلون الطعام ، ويمشون في الأسواق ويأتون الزوجات ، ويولد لهم ، وجعلنا لهم أزواجا وذرية ، وقد قال [ الله ]{[15692]} تعالى لأشرف الرسل وخاتمهم : { قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ } [ الكهف : 110 ] .
وفي الصحيحين : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " أما أنا فأصوم وأفطر ، وأقوم وأنام ، وآكل الدسم{[15693]} وأتزوج النساء ، فمن رغب عن سنتي فليس مني " . {[15694]} وقال الإمام أحمد : حدثنا يزيد ، أنبأنا الحجاج بن أرطأة عن مكحول قال : قال أبو أيوب : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أربع من سنن المرسلين : التعطر ، والنكاح ، والسواك ، والحناء " {[15695]} .
وقد رواه أبو عيسى الترمذي ، عن سفيان بن وَكِيع عن حفص بن غِياث ، عن الحجاج ، عن مكحول ، عن أبى الشمال{[15696]} عن أبي أيوب . . . فذكره ، ثم قال : وهذا أصح من الحديث الذي لم يذكر فيه أبو الشمال{[15697]}-{[15698]} .
وقوله : { وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلا بِإِذْنِ اللَّهِ } أي : لم يكن يأتي قومَه بخارق إلا إذا أُذِنَ له فيه ، ليس ذلك إليه ، بل إلى الله ، عز وجل ، يفعل ما يشاء ، ويحكم ما يريد .
{ لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ } أي : لكل مدة مضروبة كتاب مكتوب بها ، وكل شيء عنده بمقدار ، { أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاءِ وَالأرْضِ إِنَّ ذَلِكَ فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ } [ الحج : 70 ]{[15699]} .
وكان الضحاك بن مزاحم يقول في قوله : { لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ } أي : لكل كتاب أجل يعني{[15700]} لكل كتاب أنزله من السماء مدة مضروبة عند الله ومقدار معين ، فلهذا يمحو{[15701]} ما يشاء منها ويثبت ، يعني حتى نسخت كلها بالقرآن الذي أنزله الله على رسوله ، صلوات الله وسلامه عليه .
القول في تأويل قوله تعالى : { وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلاً مّن قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجاً وَذُرّيّةً وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَن يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلاّ بِإِذْنِ اللّهِ لِكُلّ أَجَلٍ كِتَابٌ } .
يقول تعالى ذكره : وَلَقَدْ أرْسَلْنا يا محمد رُسُلاً مِنْ قَبْلِكَ إلى أمم قد خلَت من قبل أمتك فجعلناهم بشرا مثلك ، لهم أزواج ينكحون ، وذرّية أنسلوهم ، ولم نجعلهم ملائكة لا يأكلون ولا يشربون ولا ينكحون ، فنجعل الرسول إلى قومك من الملائكة مثلهم ، ولكن أرسلنا إليهم بشرا مثلهم ، كما أرسلنا إلى مَن قبلهم من سائر الأمم بشرا مثلهم . وَما كانَ لِرَسُولٍ أنْ يَأْتِيَ بآيَةٍ إلاّ بإذْنِ اللّهِ : يقول تعالى ذكره : وما يقدر رسول أرسله الله إلى خلقه أن يأتي أمته بآية وعلامة من تسيير الجبال ونقل بلدة من مكان إلى مكان آخر وإحياء الموتى ونحوها من الاَيات إلاّ بإذن الله ، يقول : إلاّ بأمر الله الجبال بالسير والأرض بالانتقال ، والميتَ بأن يحيا .
لكُلّ أجَلٍ كِتابٌ يقول : لكلّ أجَل أَمْرٍ قضاه الله كتاب قد كتبه ، فهو عنده . وقد قيل : معناه : لكل كتاب أنزله الله من السماء أجل . ذكر من قال ذلك : حدثني المثنى ، قال : حدثنا إسحاق بن يوسف ، عن جويبر ، عن الضحاك ، في قوله : لِكُلّ أجَلٍ كِتابٌ يقول : لكلّ كتاب ينزل من السماء أجل ، فيمحو الله من ذلك ما يشاء ويثبت ، وعنده أم الكتاب .
قال أبو جعفر : وهذا على هذا القول نظير قول الله : وجاءَتْ سَكْرَةُ المَوْتِ بالحَقّ ، وكان أبو بكر رضي الله عنه يقرأها : «وجاءت سكرة الحقّ بالموت » ، وذلك أن سكرة الموت تأتي بالحقّ والحقّ يأتي بها ، فكذلك الأجل به كتاب وللكتاب أجل .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.