الأولى : قيل : إن اليهود عابوا على النبي صلى الله عليه وسلم الأزواج ، وعيرته بذلك وقالوا : ما نرى لهذا الرجل همة إلا النساء والنكاح ، ولو كان نبيا لشغله أمر النبوة عن النساء ، فأنزل الله هذه والآية ، وذكرهم أمر داود وسليمان فقال : " ولقد أرسلنا رسلا من قبلك وجعلنا لهم أزواجا وذرية " أي جعلناهم بشرا يقصون ما أحل الله من شهوات الدنيا ، وإنما التخصيص في الوحي .
الثانية : هذه الآية تدل على الترغيب في النكاح والحض عليه ، وتنهي عن التبتل ، وهو ترك النكاح ، وهذه سنة المرسلين كما نصت عليه هذه الآية ، والسنة واردة بمعناها ، قال صلى الله عليه وسلم : ( تزوجوا فإني مكاثر بكم الأمم ) الحديث . وقد تقدم في " آل عمران " {[9416]} وقال : ( من تزوج فقد استكمل نصف الدين فليتق الله في النصف الثاني ){[9417]} . ومعنى ذلك أن النكاح يعف عن الزنى ، والعفاف أحد الخصلتين اللتين ضمن رسول الله صلى الله عليه وسلم عليهما الجنة فقال : ( من وقاه الله شر اثنتين ولج الجنة ما بين لحييه وما بين رجليه ) خرجه الموطأ وغيره .
وفي صحيح البخاري عن أنس قال : ( جاء ثلاثة رهط إلى بيوت أزواج النبي صلى الله عليه وسلم يسألون عن عبادة النبي صلى الله عليه وسلم ، فلما أخبروا كأنهم تقالوها فقالوا : وأين نحن من النبي صلى الله عليه وسلم ! قد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر . فقال أحدهم : أما أنا فإني أصلي الليل أبدا ، وقال الآخر : إني أصوم الدهر فلا أفطر . وقال الآخر : أنا أعتزل النساء فلا أتزوج ، فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم إليهم{[9418]} فقال : ( أنتم الذين قلتم كذا وكذا أما والله إني لأخشاكم لله وأتقاكم له لكني أصوم وأفطر وأصلي وأرقد وأتزوج النساء فمن رغب عن سنتي فليس مني ) . خرجه مسلم بمعناه ، وهذا أبين .
وفي صحيح مسلم عن سعد بن أبي وقاص قال :( أراد عثمان أن يتبتل فنهاه النبي صلى الله عليه وسلم ، ولو أجاز له ذلك لاختصينا ، وقد تقدم في " آل عمران " {[9419]} الحض على طلب الولد والرد على من جهل ذلك . وقد روي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه كان يقول : إني لأتزوج المرأة وما لي فيها من حاجة ، وأطؤها وما أشتهيها ، قيل له : وما يحملك على ذلك يا أمير المؤمنين ؟ قال : حبي أن يخرج الله مني من يكاثر به النبي صلى الله عليه وسلم النبيين يوم القيامة ، وإني سمعته يقول : ( عليكم بالأبكار فإنهن أعذب أفواها وأحسن أخلاقا وأنتق أرحاما وإني مكاثر بكم الأمم يوم القيامة ) يعني بقول : ( أنتق أرحاما ) أقبل للولد ، ويقال للمرأة الكثيرة الولد ناتق ؛ لأنها ترمي بالأولاد رميا . وخرج أبو داود عن معقل بن يسار قال : جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : إني أصبت امرأة ذات حسب وجمال ، وإنها لا تلد ، أفأتزوجها ؟ قال " لا " ثم أتاه الثانية فنهاه ، ثم أتاه الثالثة فقال : ( تزوجوا الودود الولود فإني مكاثر بكم الأمم ) . صححه أبو محمد عبد الحق وحسبك .
قوله تعالى : " وما كان لرسول أن يأتي بآية إلا بإذن الله " عاد الكلام إلى ما اقترحوا من الآيات - ما تقدم ذكره في هذه السورة - فأنزل الله{[9420]} ذلك فيهم ، وظاهر الكلام حظر ومعناه النفي ؛ لأنه لا يحظر على أحد ما لا يقدر عليه . " لكل أجل كتاب " أي لكل أمر قضاه الله كتاب عند الله ؛ قال الحسن . وقيل : فيه تقديم وتأخير ، المعنى : لكل كتاب أجل ؛ قال الفراء والضحاك ، أي لكل أمر كتبه الله أجل مؤقت ، ووقت معلوم ، نظيره . " لكل نبأ مستقر{[9421]} " [ الأنعام : 67 ] ، بين أن المراد ليس على اقتراح الأمم في نزول العذاب ، بل لكل أجل كتاب . وقيل : المعنى لكل مدة كتاب مكتوب ، وأمر مقدر لا تقف عليه الملائكة . وذكر الترمذي الحكيم في " نوادر الأصول " عن شهر بن حوشب عن أبي هريرة قال : لما ارتقى موسى صلوات الله عليه وسلامه طور سيناء رأى الجبار في إصبعه خاتما ، فقال : يا موسى ما هذا ؟ وهو أعلم به ، قال : شيء من حلي الرجال ، قال : فهل عليه شيء من أسمائي مكتوب أو كلامي ؟ قال : لا ، قال : فاكتب عليه " لكل أجل كتاب " .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.