البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{وَلَقَدۡ أَرۡسَلۡنَا رُسُلٗا مِّن قَبۡلِكَ وَجَعَلۡنَا لَهُمۡ أَزۡوَٰجٗا وَذُرِّيَّةٗۚ وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَن يَأۡتِيَ بِـَٔايَةٍ إِلَّا بِإِذۡنِ ٱللَّهِۗ لِكُلِّ أَجَلٖ كِتَابٞ} (38)

المحو الإزالة محوت الخط أذهبت أثره ومحا المطر رسم الدار أذهبه وأزاله ويقال في مضارعه يمحو ويمحي لأن عينه حرف حلق والإثبات ضد محو .

{ ولقد أرسلنا رسلاً من قبلك وجعلنا لهم أزواجا وذرية وما كان لرسول أن يأتي بآية إلا بإذن الله لكل أجل كتاب .

يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب .

وإن ما نرينك بعض الذي نعدهم أو نتوفينك فإنما عليك البلاغ وعلينا الحساب } : قال الكلبي : عيرت اليهود الرسول صلى الله عليه وسلم وقالوا : ما نرى لهذا الرجل همة إلا النساء والنكاح ، ولو كان نبياً كما زعم لشغله أمر النبوة عن النساء ، فنزلت هذه الآية .

قيل : وكانوا يقترحون عليه الآيات وينكرون النسخ ، فرد الله تعالى عليهم بأنّ الرسل قبله كانوا مثله ذوي أزواج وذرية ، وما كان لهم أن يأتوا بآيات برأيهم ، ولا يأتون بما يقترح عليهم .

ومن الشرائع مصالح تختلف باختلاف الأحوال والأوقات ، فلكل وقت حكم يكتب فيه على العباد أي : يفرض عليهم ما يريده تعالى .

وقوله : لكل أجل كتاب ، لفظ عام في الأشياء التي لها آجال ، لأنه ليس منها شيء إلا وله أجل في بدئه وفي خاتمته ، وذلك الأجل مكتوب محصور .

وقال الضحاك والفراء : المعنى لكل كتاب أجل ، ولا يجوز ادعاء القلب إلا في ضرورة الشعر وأما هنا فالمعنى في غاية الصحة بلا عكس ولا قلب بل ادعاء القلب هنا لا يصح المعنى عليه ، إذ ثم أشياء كتبها الله تعالى أزلية كالجنة ونعيم أهلها ، لا أجل لها .

والظاهر أنّ المحو عبارة عن النسخ من الشرائع والأحكام ، والإثبات عبارة عن دوامها وتقررها وبقائها أي : يمحو ما يشاء محوه ، ويثبت ما يشاء إثباته .

وقيل : هذا عام في الرزق والأجل والسعادة والشقاوة ، ونسب هذا إلى : عمر ، وابن مسعود ، وأبي وائل ، والضحاك ، وابن جريج ، وكعب الأحبار ، والكلبي .

وروي عن عمر ، وابن مسعود ، وأبي وائل في دعائهم ما معناه إنْ كنت كتبتني في السعداء فأثبتني فيهم ، أو في الأشقياء فامحنى منهم .

وإنْ صح عنهم فينبغي أن يتأول على أن المعنى : إنْ كنت أشقيتنا بالمعصية فامحها عنا بالمغفرة .

ومعلوم أنّ الشقاء والسعادة والرزق والخلق والأجل لا يتغير شيء منها .