قوله تعالى : { وقالوا } . يعني اليهود .
قوله تعالى : { لن تمسنا النار } . لن يصيبنا النار .
قوله تعالى : { إلا أياماً معدودة } . قدراً مقدراً ثم يزول عنا العذاب واختلفوا في هذه الأيام ، فقال ابن عباس ومجاهد : كانت اليهود يقولون : مدة الدنيا سبعة آلاف سنة ، وإنما نعذب بكل ألف سنة يوماً واحداً ثم ينقطع العذاب بعد سبعة أيام . وقال قتادة وعطاء : يعنون أربعين يوماً التي تعبد فيها آباؤهم العجل ، وقال الحسن ، وأبو العالية : قالت اليهود : إن ربنا عتب علينا في أمر ، فأقسم الله ليعذبنا أربعين يوماً فلن تمسنا النار إلا أربعين يوماً تحلة القسم ، فقال الله عز وجل تكذيباً لهم :
قوله تعالى : { قل } . يا محمد .
قوله تعالى : { أتخذتم عند الله } . ألف استفهام دخلت على ألف الوصل .
قوله تعالى : { عهداً } . موثقاً أن لا يعذبكم إلا هذه المدة .
قوله تعالى : { فلن يخلف الله عهده } . وعده قال ابن مسعود : عهداً بالتوحيد ، يدل عليه قوله تعالى : ( إلا من اتخذ عند الرحمن عهداً ) يعني : قول لا إله إلا الله .
قوله تعالى : { أم تقولون على الله ما لا تعلمون } . ثم قال : { بلى من كسب سيئة وأحطت به خطيئته فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون } .
{ وَقَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَةً قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِنْدَ اللَّهِ عَهْدًا فَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ عَهْدَهُ أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ * بَلَى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ * وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ }
ذكر أفعالهم القبيحة ، ثم ذكر مع هذا أنهم يزكون أنفسهم ، ويشهدون لها بالنجاة من عذاب الله ، والفوز بثوابه ، وأنهم لن تمسهم النار إلا أياما معدودة ، أي : قليلة تعد بالأصابع ، فجمعوا بين الإساءة والأمن .
ولما كان هذا مجرد دعوى ، رد الله تعالى عليهم فقال : { قُلْ } لهم يا أيها الرسول { أَتَّخَذْتُمْ عِنْدَ اللَّهِ عَهْدًا } أي بالإيمان به وبرسله وبطاعته ، فهذا الوعد الموجب لنجاة صاحبه الذي لا يتغير ولا يتبدل . { أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ } ؟ فأخبر تعالى أن صدق دعواهم متوقفة على أحد هذين الأمرين اللذين لا ثالث لهما : إما أن يكونوا قد اتخذوا عند الله عهدا ، فتكون دعواهم صحيحة . وإما أن يكونوا متقولين عليه فتكون كاذبة ، فيكون أبلغ لخزيهم وعذابهم ، وقد علم من حالهم أنهم لم يتخذوا عند الله عهدا ، لتكذيبهم كثيرا من الأنبياء ، حتى وصلت بهم الحال إلى أن قتلوا طائفة منهم ، ولنكولهم عن طاعة الله ونقضهم المواثيق ، فتعين بذلك أنهم متقولون مختلقون ، قائلون عليه ما لا يعلمون ، والقول عليه بلا علم ، من أعظم المحرمات ، وأشنع القبيحات .
من تلك الأماني التي لا تستقيم مع عدل الله ، ولا تتفق مع سنته ، ولا تتمشى مع التصور الصحيح للعمل والجزاء . . أن يحسبوا أنهم ناجون من العذاب مهما فعلوا ، وأن النار لن تمسهم إلا أياما معدودات يخرجون بعدها إلى النعيم . . علام يعتمدون في هذه الأمنية ؟ علام يحددون الوقت كأنهم مستوثقون ؟ وكأنها معاهدة محدودة الأجل معلومة الميقات ؟ لا شيء إلا أماني الأميين الجهال ، وأكاذيب المحتالين العلماء ! الأماني التي يلجأ إليها المنحرفون عن العقيدة الصحيحة ، حين يطول بهم الأمد ، وينقطع ما بينهم وبين حقيقة دينهم ، فلا يبقى لهم منه إلا اسمه وشكله ، دون موضوعه وحقيقته ويظنون أن هذا يكفيهم للنجاة من العذاب بحكم ما يعلنونه بألسنتهم من أنهم على دين الله :
( وقالوا : لن تمسنا النار إلا أياما معدودة . قل : أتخذتم عند الله عهدا فلن يخلف الله عهده ؟ أم تقولون على الله ما لا تعلمون ؟ ) . .
وهذا هو التلقين الإلهي للحجة الدامغة : ( أتخذتم عند الله عهدا فلن يخلف الله عهده ؟ ) . . فأين هو هذا العهد ؟ ( أم تقولون على الله ما لا تعلمون ) . . وهذا هو الواقع . فالاستفهام هنا للتقرير . ولكنه في صورة الاستفهام يحمل كذلك معنى الإنكار والتوبيخ !
يقول تعالى إخبارًا عن اليهود فيما نقلوه وادعوه لأنفسهم ، من أنهم لن تمسهم النار إلا أيامًا معدودة ، ثم ينجون منها ، فرد الله عليهم ذلك بقوله : { قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِنْدَ اللَّهِ عَهْدًا }{[2071]} أي : بذلك ؟ فإن كان قد وقع عهد فهو لا يُخْلِف عهده{[2072]} .
ولكن هذا ما جرى ولا كان . ولهذا أتى ب " أم " التي بمعنى : بل ، أي : بل تقولون على الله ما لا تعلمون من الكذب والافتراء عليه .
قال{[2073]} محمد بن إسحاق ، عن سيف بن سليمان{[2074]} عن مجاهد ، عن ابن عباس : أن اليهود كانوا يقولون : هذه الدنيا سبعة آلاف سنة ، وإنما نُعَذَّب بكل ألف سنة يومًا في النار ، وإنما هي سبعة أيام معدودة{[2075]} . فأنزل الله تعالى : { وَقَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلا أَيَّامًا مَعْدُودَةً } إلى قوله : { خَالِدُونَ } [ البقرة : 82 ] .
ثم رواه عن محمد ، عن سعيد - أو عكرمة - عن ابن عباس ، بنحوه .
وقال العوفي عن ابن عباس : { وَقَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلا أَيَّامًا مَعْدُودَةً } اليهود قالوا{[2076]} : لن تمسنا النار إلا أربعين ليلة ، [ زاد غيره : هي مدة عبادتهم العجل ، وحكاه القرطبي عن ابن عباس وقتادة ]{[2077]} وقال الضحاك : قال ابن عباس : زعمت اليهود أنهم وجدوا في التوراة مكتوبًا : أن ما بين طرفي جهنم مسيرة أربعين سنة ، إلى أن ينتهوا إلى شجرة الزقوم ، التي هي نابتة في أصل الجحيم . وقال أعداء الله : إنما نعذب حتى ننتهي إلى شجرة الزقوم فتذهب جهنم وتهلك . فذلك قوله تعالى : { وَقَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلا أَيَّامًا مَعْدُودَةً }
وقال عبد الرزاق ، عن مَعْمَر ، عن قتادة : { وَقَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلا أَيَّامًا مَعْدُودَةً } يعني : الأيام التي عبدنا فيها العجل{[2078]} .
وقال عكرمة : خاصمت اليهود رسول الله صلى الله عليه وسلم{[2079]} فقالوا : لن ندخل النار إلا أربعين ليلة ، وسيخلفنا إليها{[2080]} قوم آخرون ، يعنون{[2081]} محمدًا صلى الله عليه وسلم وأصحابه ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده على رءوسهم : " بل أنتم خالدون مخلدون لا يخلفكم إليها أحد " . فأنزل الله : { وَقَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلا أَيَّامًا مَعْدُودَةً } الآية .
وقال الحافظ أبو بكر بن مردويه رحمه الله : حدثنا عبد الرحمن بن جعفر ، حدثنا محمد بن محمد بن صخر ، حدثنا أبو عبد الرحمن المقرئ ، حدثنا ليث بن سعد ، حدثني سعيد بن أبي سعيد ، عن أبي هريرة ، رضي الله عنه ، قال : لما فتحت خيبر أهديت لرسول الله صلى الله عليه وسلم شاة فيها سم ، فقال {[2082]} رسول الله صلى الله عليه وسلم : " اجمعوا لي من كان من اليهود هاهنا " فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من أبوكم ؟ " قالوا : فلان{[2083]} . قال : " كذبتم ، بل أبوكم فلان " . فقالوا : صدقت وبَرِرْت ، ثم قال لهم : " هل أنتم صادقيّ عن شيء إن سألتكم عنه ؟ " . قالوا : نعم ، يا أبا القاسم ، وإن كذبناك عرفت كذبنا كما عرفته في أبينا . فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من أهل النار ؟ " فقالوا : نكون فيها يسيرًا ثم تخلفونا فيها . فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم : " اخسأوا ، والله لا نخلفكم فيها أبدًا " . ثم قال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم : " هل أنتم صادقيّ عن شيء إن سألتكم عنه ؟ " . قالوا : نعم يا أبا القاسم . فقال : " هل جعلتم في هذه الشاة سمًّا ؟ " . فقالوا : نعم . قال{[2084]} : " فما حملكم على ذلك ؟ " . فقالوا : أردنا إن كنت كاذبًا أن نستريح منك ، وإن كنت نبيًا لم يضرك .
ورواه أحمد ، والبخاري ، والنسائي ، من حديث الليث بن سعد ، بنحوه{[2085]} .
{ وَقَالُواْ لَن تَمَسّنَا النّارُ إِلاّ أَيّاماً مّعْدُودَةً قُلْ أَتّخَذْتُمْ عِندَ اللّهِ عَهْداً فَلَنْ يُخْلِفَ اللّهُ عَهْدَهُ أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ }
يعني بقوله : { وقَالُوا } : اليهود ، يقول : وقالت اليهود : { لَنْ تَمَسّنا النّارُ } ، يعني لن تلاقي أجسامنا النار ، ولن ندخلها إلا أياما معدودة . وإنما قيل { معدودة }وإن لم يكن مبينا عددها في التنزيل لأن الله جل ثناؤه أخبر عنهم بذلك وهم عارفون عدد الأيام التي يوقتونها لمكثهم في النار ، فلذلك ترك ذكر تسمية عدد تلك الأيام وسماها معدودة لما وصفنا .
ثم اختلف أهل التأويل في مبلغ الأيام المعدودة التي عينها اليهود القائلون ما أخبر الله عنهم من ذلك . فقال بعضهم بما :
حدثنا به أبو كريب ، قال : حدثنا عثمان بن سعيد ، عن بشر بن عمارة ، عن أبي روق ، عن الضحاك ، عن ابن عباس : { وَقَالُوا لَنْ تَمَسّنَا النّارُ إِلاّ أيّاما مَعْدُودَةً } قال : ذلك أعداء الله اليهود ، قالوا : لن يدخلنا الله النار إلا تَحِلّةَ القسم ، الأيام التي أصبنا فيها العجل أربعين يوما ، فإذا انقضت عنا تلك الأيام ، انقطع عنا العذاب والقسم .
حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة في قوله : { لَنْ تَمَسّنَا النّارُ إِلاّ أيّاما مَعْدُودَةً } قالوا : أياما معدودة بما أصبنا في العجل .
حدثنا موسى ، قال : حدثنا عمرو ، قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : { وَقَالُوا لَنْ تَمَسّنَا النّارُ إِلاّ أَيّاما مَعْدُودَةً } قال : قالت اليهود : إن الله يدخلنا النار فنمكث فيها أربعين ليلة ، حتى إذا أكلت النار خطايانا واسْتَنْقَتْنا ، نادى منادٍ : أخرجوا كلّ مختون من ولد بني إسرائيل ، فلذلك أمرنا أن نختتن . قالوا : فلا يدعون منّا في النار أحدا إلا أخرجوه .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا آدم ، قال : حدثنا أبو جعفر ، عن الربيع ، عن أبي العالية ، قال : قالت اليهود : إن ربنا عتب علينا في أمرنا ، فأقسم ليعذّبنا أربعين ليلة ، ثم يخرجنا . فأكذبهم الله .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا آدم ، قال : حدثنا أبو جعفر ، عن قتادة ، قال : قالت اليهود : لن ندخل النار إلا تحلّة القسم ، عدد الأيام التي عبدنا فيها العجل .
حدثني محمد بن سعد ، قال : حدثني أبي ، قال : حدثني عمي ، قال : حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس قوله : { لَنْ تَمَسّنا النّارُ إِلاّ أيّاما مَعْدُودَةً } الآية . قال ابن عباس : ذكر أن اليهود وجدوا في التوراة مكتوبا : «إن ما بين طرفي جهنم مسيرة أربعين سنة إلى أن ينتهوا إلى شجرة الزقوم نابتة في أصل الجحيم » . وكان ابن عباس يقول : إن الجحيم سَقَر ، وفيه شجرة الزقّوم ، فزعم أعداء الله أنه إذا خلا العدد الذي وجدوا في كتابهم أياما معدودة . وإنما يعني بذلك المسير الذي ينتهي إلى أصل الجحيم ، فقالوا : إذا خلا العدد انتهى الأجل فلا عذاب وتذهب جهنم وتهلك فذلك قوله : { لَنْ تَمَسّنا النّارُ إِلاّ أَيّاما مَعْدُودَةً } يعنون بذلك الأجل . فقال ابن عباس : لما اقتحموا من باب جهنم ساروا في العذاب ، حتى انتهوا إلى شجرة الزقوم آخر يوم من الأيام المعدودة ، قال لهم خزّان سقر : زعمتم أنكم لن تمسكم النار إلا أياما معدودة ، فقد خلا العدد وأنتم في الأبد فأخذ بهم في الصّعود في جهنم يرهقون .
حدثني محمد بن سعد ، قال : حدثني أبي ، قال : حدثني عمي ، قال : حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس : { وَقَالُوا لَنْ تَمَسّنَا النّارُ إِلاّ أَيّاما مَعْدُودَةً } إلا أربعين ليلة .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا إسحاق ، قال : حدثنا حفص بن عمر ، عن الحكم بن أبان ، عن عكرمة ، قال : خاصمت اليهود رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا : لن ندخل النار إلا أربعين ليلة ، وسيخلفنا فيها قوم آخرون يعنون محمدا وأصحابه . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده على رءوسهم : «بَلْ أَنْتُمْ فِيها خَالِدُونَ لاَ يَخْلُفُكُمْ فِيها أحَدٌ » فأنزل الله جل ثناؤه : { وَقَالُوا لَنْ تَمَسّنَا النّارُ إِلاّ أَيّاما مَعْدُودَةً } .
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : حدثنا حجاج ، عن ابن جريج ، قال : أخبرني الحكم بن أبان ، عن عكرمة ، قال : اجتمعت يهود يوما تخاصم النبيّ صلى الله عليه وسلم فقالوا : { لَنْ تَمَسّنا النّارُ إِلاّ أَيّاما مَعْدُودَةً } وسموا أربعين يوما ثم يخلفنا أو يلحقنا فيها أناس فأشاروا إلى النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «كَذَبْتُمْ ، بَلْ أنْتُمْ فِيها خَالِدُونَ مُخَلّدُونَ لاَ نَلْحَقُكُمْ وَلا نَخْلُفَكُمْ فِيها إِنْ شاءَ اللّهُ أبَدا » .
حدثني يونس بن عبد الأعلى ، قال : أخبرنا عليّ بن معبد ، عن أبي معاوية ، عن جويبر ، عن الضحاك في قوله : { لَنْ تَمَسّنا النّارُ إِلاّ أَيّاما مَعْدُودَةً } قال : قالت اليهود : لا نعذّب في النار يوم القيامة إلا أربعين يوما مقدار ما عبدنا العِجْلَ .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد : حدثني أبي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لهم : «أَنْشُدُكُمْ بِاللّهِ وَبِالتّوْرَاةِ الّتِي أنْزَلَهَا اللّهُ على مُوسَى يَوْمَ طُورِ سَيْنَاءَ ، مَنْ أَهْلُ النّارِ الّذِينَ أنْزَلَهُمُ اللّهُ فِي التّوْرَاةِ ؟ » قالوا : إن ربهم غضب عليهم غضبة ، فنمكث في النار أربعين ليلة ، ثم نخرج فتخلفوننا فيها . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «كَذَبْتُمْ وَاللّهِ لا نَخْلَفُكُمْ فِيها أبَدا » . فنزل القرآن تصديقا لقول النبي صلى الله عليه وسلم ، وتكذيبا لهم : { وَقَالُوا لَنْ تَمَسّنَا النّارُ إِلاّ أَيّاما مَعْدُودَةً قُلْ اتّخَذْتُمْ عِنْدَ اللّهِ عَهْدا } إلى قوله : { هُمْ فِيها خالِدُونَ } .
حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا يونس بن بكير ، قال : حدثنا ابن إسحاق ، قال : حدثني محمد بن أبي محمد مولى زيد بن ثابت ، قال : حدثني سعيد بن جبير أو عكرمة ، عن ابن عباس ، قال : كانت يهود يقولون : إنما مدة الدنيا سبعة آلاف سنة ، وإنما يعذّب الله الناس يوم القيامة بكل ألف سنة من أيام الدنيا يوما واحدا من أيام الاَخرة ، وإنها سبعة أيام . فأنزل الله في ذلك من قولهم : { وَقَالُوا لَنْ تَمَسّنَا النّارُ إِلاّ أيّاما مَعْدُودَةً } الآية .
حدثنا ابن حميد قال : حدثنا سلمة ، عن محمد بن إسحاق ، قال : حدثني محمد بن أبي محمد ، عن سعيد بن جبير أو عكرمة ، عن ابن عباس ، قال : قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة ويهود تقول : إنما مدة الدنيا سبعة آلاف سنة ، وإنما يعذّب الناس في النار بكل ألف سنة من أيام الدنيا يوما واحدا في النار من أيام الاَخرة ، فإنما هي سبعة أيام ثم ينقطع العذاب . فأنزل الله عزّ وجلّ في ذلك من قولهم : { لَنْ تَمَسّنَا النّارُ } الآية .
حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، عن عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قول الله : { وَقَالُوا لَنْ تَمَسّنَا النّارُ إِلاّ أَيّاما مَعْدُودَةً } قال : كانت تقول : إنما الدنيا سبعة آلاف سنة ، وإنما نعذّب مكان كل ألف سنة يوما .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو حذيفة ، قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله ، إلا أنه قال : كانت اليهود تقول : إنما الدنيا ، وسائر الحديث مثله .
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : حدثني حجاج ، قال : قال ابن جريج ، قال مجاهد : { وَقَالُوا لَنْ تَمَسّنَا النّارُ إِلاّ أيّاما مَعْدُودَةً } من الدهر ، وسموا عدة سبعة آلاف سنة ، من كل ألف سنة يوما يهودُ تقول .
القول في تأويل قوله تعالى : { قُلْ أتّخَذْتُمْ عِنْدَ اللّهِ عَهْدا فَلَنْ يُخْلِفَ اللّهُ عَهْدَهُ أمْ تَقُولُونَ عَلى اللّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ } .
قال أبو جعفر : لما قالت اليهود ما قالت من قولها : { لَنْ تَمَسّنَا النّارُ إِلاّ أَيّاما مَعْدُودَةً } على ما قد بينا من تأويل ذلك ، قال الله لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : قل يا محمد لمعشر اليهود { أتّخَذْتُمْ عِنْدَ اللّهِ عَهْدا } ، أخذتم بما تقولون من ذلك من الله ميثاقا فالله لا ينقض ميثاقه ولا يبدل وعده وعقده ، أم تقولون على الله الباطل جهلاً وجراءة عليه ؟ كما :
حدثنا محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، عن عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : { قُلْ أتّخَذْتُمْ عِنْدَ اللّهِ عَهْدا } أي مَوْثِقا من الله بذلك أنه كما تقولون .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو حذيفة ، قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا آدم ، قال : حدثنا أبو جعفر ، عن قتادة قال : قالت اليهود : لن ندخل النار إلا تَحِلّة القسم عدّة الأيام التي عبدنا فيها العجل . فقال الله : { أتّخَذْتُمْ عِنْدَ اللّهِ عَهْدا } بهذا الذي تقولونه ، ألكم بهذا حجة وبرهان فَلَنْ يَخْلفَ اللّهُ عَهْدَهُ فهاتوا حجتكم وبرهانكم " أمْ تَقُولُونَ عَلى اللّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ " .
حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا عثمان بن سعيد ، عن بشر بن عمارة ، عن أبي روق ، عن الضحاك ، عن ابن عباس ، قال : لما قالت اليهود ما قالت ، قال الله جل ثناؤه لمحمد : { قُلْ أتّخَذْتُمْ عِنْدَ اللّهِ عَهْدا } يقول : أدّخرتم عند الله عهدا ؟ يقول : أقلتم لا إلَه إلا الله لم تشركوا ، ولم تكفروا به ؟ فإن كنتم قلتموها فارجوا بها ، وإن كنتم لم تقولوها فلم تقولون على الله ما لا تعلمون ؟ يقول : لو كنتم قلتم لا إلَه إلا الله ، ولم تشركوا به شيئا ، ثم متّم على ذلك لكان لكم ذخرا عندي ، ولم أخلف وعدي لكم أني أجازيكم بها .
حدثني موسى بن هارون ، قال : حدثنا عمرو ، قال : حدثنا أسباط عن السدي ، قال : لما قالت اليهود ما قالت ، قال الله عز وجل :
{ قُلْ أتّخَذْتُمْ عِنْدَ اللّهِ عَهْدا فَلَنْ يُخْلِفَ اللّه عَهْدَهُ } وقال في مكان آخر : { وَغَرّهُمْ فِي دِينِهِمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُون } . ثم أخبر الخبر فقال : " بَلَى مَنْ كَسَبَ سَيّئَةً " .
وهذه الأقوال التي رويناها عن ابن عباس ومجاهد وقتادة بنحو ما قلنا في تأويل قوله : { قُلْ أتّخَذْتُمْ عِنْدَ اللّهِ عَهْدا } لأن مما أعطاه الله عباده من ميثاقه أن من آمن به وأطاع أمره نجّاه من ناره يوم القيامة . ومن الإيمان به الإقرارُ بأن لا إلَه إلا الله ، وكذلك من ميثاقه الذي واثقهم به أن من أتى الله يوم القيامة بحجة تكون له نجاة من النار فينجيه منها . وكل ذلك وإن اختلفت ألفاظ قائليه ، فمتفق المعاني على ما قلنا فيه ، والله تعالى أعلم .