تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته  
{وَقَالُواْ لَن تَمَسَّنَا ٱلنَّارُ إِلَّآ أَيَّامٗا مَّعۡدُودَةٗۚ قُلۡ أَتَّخَذۡتُمۡ عِندَ ٱللَّهِ عَهۡدٗا فَلَن يُخۡلِفَ ٱللَّهُ عَهۡدَهُۥٓۖ أَمۡ تَقُولُونَ عَلَى ٱللَّهِ مَا لَا تَعۡلَمُونَ} (80)

غرور وادعاء

( وقالوا لن تمسنا النار إلا أياما معدودة قل أتخذتم عند الله عهدا فلن يخلف الله عهده أم تقولون على الله ما لا تعلمون( 80 ) بلى من كسب سيئة وأحاطت به خطيئته فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون( 81 ) والذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك أصحاب الجنة هم فيها خالدون( 82 ) (

المفردات :

لن تمسنا النار : لن تصيبنا ، والمس : اتصال أحد الشيئين بالآخر وإصابته له .

أياما معدودة : يضبطها العد فهي إذن قليلة ، والعرب تقول : شيء معدود أي قليل ، وغير معدود أي كثير .

80

التفسير :

80 - و قالوا لن تمسنا النار إلا أياما معدودة . أكثر اليهود على أن النار تمسهم سبعة أيام لأن عمر الدنيا عندهم سبعة آلاف سنة فمن لم تدركه النجاة يمكث في النار سبعة أيام عن كل ألف سنة يوم . وقيل إنها تمسهم أربعين يوما ، هي المدة التي عبدوا فيها العجل .

روى الأمام أحمد والبخاري والنسائي وابن مردويه واللفظ له عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : لما فتحت خيبر أهديت لرسول الله صلى الله عليه وسلم شاة فيها سم ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «اجمعوا لي من كان من اليهود هنا » .

فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم : «من أبوكم ؟ » قالوا : فلان . قال : «كذبتم بل أبوكم فلان » فقالوا : صدقت وبررت . ثم قال لهم : «هل أنتم صادقي عن شيء إن سألتكم عنه ؟ قالوا : نعم يا أبى القاسم وإن كذبناك عرفت كذبنا كما عرفت في أبينا ، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم : أمن أهل النار ؟ فقالوا نكون فيها يسيرا ثم تخلفونا فيها . فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم : اخسئوا والله لا نخلفكم فيها أبدا ثم قال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم : هل أنتم صادقي عن شيء إن سألتكم عنه ؟ قالوا نعم يا أبا القاسم . قال : هل جعلتم في هذه الشاة سما ؟ فقالوا : نعم . فقال : ( فما حملكم على ذلك ؟ فقالوا : أردنا إن كنت كاذبا أن نستريح منك وإن كنت نبيا لم يضرك ) ( 204 ) .

قل أتخذتم عند الله فلن يخلف الله عهده . أي أعهد إليكم ربكم بذلك ووعدكم به وعدا حقا ؟ إن كان كما تقولون فلن يخلف الله عهده .

أم تقولون على الله ما لا تعلمون . أي أم أنتم تقولون على الله شيئا لا علم لكم به ، فإن مثله لا يكون إلا بوحي يبلغه الرسل عنه وبدون هذا يكون اقتياتا على الله وجراءة عليه ، لأنه قول بلا علم فهو كفر صراح .

وخلاصة هذا : إن مثل ذلك القول يحتمل أمرين لا ثالث لهما :

إما اتخاذ عهد عند الله به ، وإما القول عليه سبحانه بدون علم ، وما دام قد ثبت أن اتخاذ العهد لم يحصل ، إذا فأنتم يا معشر اليهود كاذبون فيما تدعون من أن النار لن تمسكم إلا أياما معدودة .

قال الإمام الرازي : قوله تعالى : أتخذتم . ليس باستفهام بل هو إنكار لأنه لا يجوز أن يجعل الله تعالى حجة رسوله في إبطال قولهم أن يستفهم بل المراد التنبيه على طريقة الاستدلال ، وهي أنه لا سبيل إلى معرفة هذا التقدير إلا بالسمع ، فلما لم يوجد الدليل السمعي وجب ألا يجوز الجزم بهذا التقدير( 205 ) .