الدر المنثور في التفسير بالمأثور للسيوطي - السيوطي  
{وَقَالُواْ لَن تَمَسَّنَا ٱلنَّارُ إِلَّآ أَيَّامٗا مَّعۡدُودَةٗۚ قُلۡ أَتَّخَذۡتُمۡ عِندَ ٱللَّهِ عَهۡدٗا فَلَن يُخۡلِفَ ٱللَّهُ عَهۡدَهُۥٓۖ أَمۡ تَقُولُونَ عَلَى ٱللَّهِ مَا لَا تَعۡلَمُونَ} (80)

أخرج ابن اسحق وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني والواحدي عن ابن عباس أن يهود كانوا يقولون : مدة الدنيا سبعة آلاف سنة ، وإنما نعذب لكل ألف سنة من أيام الدنيا يوما واحدا في النار ، وإنما هي سبعة أيام معدودات ثم ينقطع العذاب ، فأنزل الله فيه ذلك { وقالوا لن تمسنا النار } إلى قوله { هم فيها خالدون } .

وأخرج عبد بن حميد عن مجاهد . مثله .

وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والواحدي عن ابن عباس قال : وجد أهل الكتاب مسيرة ما بين طرفي جهنم مسيرة أربعين ، فقالوا : لن يعذب أهل النار إلا قدر أربعين ، فإذا كان يوم القيامة ألجموا في النار فساروا فيها حتى انتهوا إلى سقر ، وفيها شجرة الزقوم إلى آخر يوم من الأيام المعهودة ، فقال له خزنة النار : يا أعداء الله زعمتم أنكم لن تعذبوا في النار إلا أياما معدودة فقد انقضى العدد وبقي الأبد ، فيأخذون في الصعود يرهقون على وجوههم .

وأخرج ابن جرير عن ابن عباس . أن اليهود قالوا : لن تمسنا النار إلا أربعين يوما مدة عبادة العجل .

وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن عكرمة قال : اجتمعت يهود يوما فخاصموا النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا : لن تمسنا النار إلا أياما معدودات وسموا أربعين يوما ، ثم يخلفنا فيها ناس وأشاروا إلى النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ورد يده على رؤوسهم كذبتم بل أنتم خالدون مخلدون فيها لا نخلفكم فيها إن شاء الله تعالى أبدا ، ففيهم أنزلت هذه الآية { وقالوا لن تمسنا النار إلا أياما معدودة } يعنون أربعين ليلة " .

وأخرج ابن جرير عن زيد بن أسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لليهود " أنشدكم بالله وبالتوراة التي أنزل الله على موسى يوم طور سيناء من أهل النار الذين أنزلهم الله في التوراة ؟ قالوا : إن ربهم غضب عليهم غضبة فنمكث في النار أربعين ليلة ، ثم نخرج فتخلفوننا فيها ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : كذبتم والله لا نخلفكم فيها أبدا ، فنزل القرآن تصديقا لقول النبي صلى الله عليه وسلم وتكذيبا لهم { وقالوا لن تمسنا النار إلا أياما معدودة } إلى قوله { وهم فيها خالدون } " .

وأخرج أحمد والبخاري والدارمي والنسائي والبيهقي في الدلائل عن أبي هريرة قال " لما افتتحت خيبر أهديت لرسول الله صلى الله عليه وسلم شاة فيها سم ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : اجمعوا لي من كان ههنا من اليهود ، فقال لهم : من أبوكم ؟ قال : فلان . قال : كذبتم ، بل أبوكم فلان . قالوا : صدقت وبررت . ثم قال لهم : هل أنتم صادقي عن شيء إن سألتكم عنه ؟ قالوا : نعم يا أبا القاسم ، وإن كذبناك عرفت كذبنا كما عرفته في أبينا . فقال لهم : من أهل النار ؟ قالوا : نكون فيها يسيرا ثم تخلفوننا فيها . فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم : اخسئوا - والله - لا نخلفكم فيها أبدا " .

وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن مجاهد في قوله :{ قل أتخذتم عند الله عهدا } أي موثقا من الله بذلك أنه كما تقولون .

وأخرج ابن جرير عن ابن عباس قال : لما قالت اليهود ما قالت قال الله لمحمد { قل أتخذتم عند الله عهدا } يقول : أدخرتم عند الله عهدا . يقول : أقلتم لا إله إلا الله لم تشركوا ولم تكفروا به ، فإن كنتم قلتموها فأرجوا بها ، وإن كنتم لم تقولوها فلم تقولون على الله ما لا تعلمون .

وأخرج عبد بن حميد عن قتادة في قوله { قل أتخذتم عند الله } قال : بفراكم وبزعمكم أن النار ليس تمسكم إلا أياما معدودة ، يقول : إن كنتم اتخذتم عند الله عهدا بذلك فلن يخلف الله عهده { أم تقولون على الله ما لا تعلمون } قال : قال القوم : الكذب والباطل ، وقالوا عليه ما لا يعلمون .